منذ النصف الثاني من القرن الـ20، لعبت التقنية دوراً كبيراً في إرساء دعائم صناعة سينمائية عربية، قِوامها المغايرة والاختلاف، عن طريق المواضيع والتقنيات الحديثة المُستعملة في التصوير والمونتاج، وفي غيرهما من العناصر المُنتجة في الاستديو. سخَّرت التقنيةُ نفسَها للمخيلة الإبداعية، خاصة في أفلام الخيال العلمي وحروب الفضاء والـ"أنيمايشن"، فجمّلت صُورها، ودفعت مخيلة المخرج إلى حدودها القصوى، لالتقاط تفاصيل الحكاية ووضعها في مجموعة صُور، وفق قالب فني وجمالي تَحكمه الإمكانات اللامحدودة للتقنية، وتوليفها مع قدرات المخرج، الفنية والأيديولوجية.
وبقدر ما تُشكّل التقنية نقطة ضوء للصناعة السينمائية، مارست التقنية نفسها، في تجلّياتها التواصلية، سحراً على المُشاهد، الذي لم يعد مُشاهداً ومُستمتعاً بالعمل السينمائي فقط، بل بات مشاركاً في صوغ خطاب سينمائيّ له، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال التعبير عن رأيه في فيلمٍ، وفي ممثليه وموسيقاه وأبعاده السياسية والاجتماعية. أحياناً، يتدخّل المُشاهد نفسه بهاجس العشق في عملية إنتاج صُوَر وتقطيع ومَنْتَجَة بعض المَشاهد المُحبّبة إليه، وعرضها على صفحته في "فيسبوك" أو "تويتر"، وخلق سجال معرفي حولها.
لذلك، لا تتردّد شركات الإنتاج العالمية اليوم في إنشاء صفحات خاصة بأفلامها على مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمّن مقاطع "فيديو" دعائية وصُور مخرجين ومخرجات في الاستديو، أثناء تصوير مشهد ما. البعض يعتبر أنّ هذا التصرّف جزءٌ من ولادة الفيلم، المتوقّفة عند وصوله إلى المُشاهد، بسبب الدور الكبير الذي تلعبه تلك المواقع، بوصفها مختبراً للمساجلة والمساءلة، بطريقة تلقائية وعامة، ومندفعة أحياناً صوب فتنة الأفلام وجمالياتها غير الخاضعة لرقابة النقد، ولا لسلطة المفاهيم السينمائية ومَعاجمها.
اقــرأ أيضاً
المواقع نفسها تبدو مُفيدة، نظراً إلى الحالة التي ترزح تحت ضغطها الشعوب العربية، وهشاشة صناعتها السينمائية وفقرها، لغياب شركات إنتاج حقيقية، تشتغل من دون دعم الدولة، ولغياب صحفٍ ومجلات عربية متخصّصة في السينما وصُورها وجمالياتها وخطابها النقدي والفكري.
لكنْ، هل تنطبق هذه الحالة على الوضع السينمائي الآن، أمام جائحة كورونا، والرعب المتجوّل وحيداً بين الأزقة والدروب المخيفة، والموت الذي ربما ينتظر في أول صالة سينمائية؟
لبنان البلد العربي السبّاق في عرض أفلام سينمائية زمن كورونا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي و"يوتيوب" و"فيميو"، لتخفيف حدّة الألم النفسي ورتابة الحياة اليومية في المنازل، بعد فرض الحجر الصحي. هذا يُفسّر لجوء مواقع عدّة إلى تداول أخبار الفيروس وحصيلته اليومية، وأيضاً تأليف نكات ساخرة منه للتخفيف من الهلع الذي ينتاب كثيرين.
ثم بدأت أفلام جديدة تظهر هنا وهناك، في تونس والجزائر والمغرب، حيث تُعرض أفلام قصيرة، كـ"لا يهمّ إنْ نفقت البهائم" لصوفيا علوي و"ظلّ الموت" لمحمد مفتكر و"حياة قصيرة" لعادل الفاضلي و"مثل 14 فبراير" لوديع الشراد و"الروح التائهة" لجيهان البحار و"الحائط" لفوزي بنسعيدي، وغيرها. وبين حينٍ وآخر، تُطلق أفلام أخرى ليُشاهدها الراغبون والمهتمّون.
لم يكن المخرجون لوحدهم. فـ"المركز السينمائي المغربي" يبثّ 25 فيلماً مغربياً، قديماً وحديثاً، عبر موقعه الإلكتروني.
أمام كثرة الأفلام المعروضة على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصّات، يحتار المرء في الاختيار. فالأفلام السياسية والواقعية تبدو كأنّها غير مشتهاة في هذه الأزمة. هناك من يُفكّر في أفلامٍ رومانسية، لكنّها تعبير ساذج، ربما، عن لحظة معاشة الآن. الأمر لا يقتصر على المُشاهَدة، فالمُشاهِد مُطالَبٌ بالتفكير في خصوصية الفيلم وجمالياته وطرائق اشتغاله على واقع أو قضية معينة، في سياق جمالي وسياسي واجتماعي وتاريخي.
الأفلام المعروضة في المغرب متفاوتة ومتباينة بين قديم وجديد، وبعضها ضاج بالترفيه والسطحية، لرغبةٍ تتمثّل في إمكانية التوليف ومقارنتها مع أفلام جديدة، بغية رصد خصوصيات جمالية قطعها المشهد السينمائي المغربي، والوقوف عند التقاطع والاختلاف اللذين طَبَعا الفيلم المغربي منذ ثمانينيات القرن الـ20 إلى الآن. لكنّ المسألة حلم مشتهى، أمام رعب المرض، وما تتناقله قنوات التلفزيون المغربي من رداءة. لذا، هناك كثيرون يُفضّلون تحاشي التلفزيون وبرامجه اليومية، فينتقلون إلى فضاء سينمائي أجمل، لعلّه يُحرِّر الذات من رعبها اليومي.
مع ذلك، يظلّ التفاعل المغربي مع هذه الأفلام مُحتشماً للغاية، على مستوى التقييم، باستثناء كتابات قليلة جداً تُقدّم أسطراً قليلة حول موضوع فيلم ما، أو تعليقات قصيرة ممزوجة بنوستالجيا المُشاهدة ومتعتها. أولاً، بسبب الوضع القاسي خارج المنازل، وثانياً بحكم هشاشتنا وفقرنا وآلامنا التي ربما لا تتحمّلها السينما نفسها.
وبقدر ما تُشكّل التقنية نقطة ضوء للصناعة السينمائية، مارست التقنية نفسها، في تجلّياتها التواصلية، سحراً على المُشاهد، الذي لم يعد مُشاهداً ومُستمتعاً بالعمل السينمائي فقط، بل بات مشاركاً في صوغ خطاب سينمائيّ له، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال التعبير عن رأيه في فيلمٍ، وفي ممثليه وموسيقاه وأبعاده السياسية والاجتماعية. أحياناً، يتدخّل المُشاهد نفسه بهاجس العشق في عملية إنتاج صُوَر وتقطيع ومَنْتَجَة بعض المَشاهد المُحبّبة إليه، وعرضها على صفحته في "فيسبوك" أو "تويتر"، وخلق سجال معرفي حولها.
لذلك، لا تتردّد شركات الإنتاج العالمية اليوم في إنشاء صفحات خاصة بأفلامها على مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمّن مقاطع "فيديو" دعائية وصُور مخرجين ومخرجات في الاستديو، أثناء تصوير مشهد ما. البعض يعتبر أنّ هذا التصرّف جزءٌ من ولادة الفيلم، المتوقّفة عند وصوله إلى المُشاهد، بسبب الدور الكبير الذي تلعبه تلك المواقع، بوصفها مختبراً للمساجلة والمساءلة، بطريقة تلقائية وعامة، ومندفعة أحياناً صوب فتنة الأفلام وجمالياتها غير الخاضعة لرقابة النقد، ولا لسلطة المفاهيم السينمائية ومَعاجمها.
المواقع نفسها تبدو مُفيدة، نظراً إلى الحالة التي ترزح تحت ضغطها الشعوب العربية، وهشاشة صناعتها السينمائية وفقرها، لغياب شركات إنتاج حقيقية، تشتغل من دون دعم الدولة، ولغياب صحفٍ ومجلات عربية متخصّصة في السينما وصُورها وجمالياتها وخطابها النقدي والفكري.
لكنْ، هل تنطبق هذه الحالة على الوضع السينمائي الآن، أمام جائحة كورونا، والرعب المتجوّل وحيداً بين الأزقة والدروب المخيفة، والموت الذي ربما ينتظر في أول صالة سينمائية؟
لبنان البلد العربي السبّاق في عرض أفلام سينمائية زمن كورونا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي و"يوتيوب" و"فيميو"، لتخفيف حدّة الألم النفسي ورتابة الحياة اليومية في المنازل، بعد فرض الحجر الصحي. هذا يُفسّر لجوء مواقع عدّة إلى تداول أخبار الفيروس وحصيلته اليومية، وأيضاً تأليف نكات ساخرة منه للتخفيف من الهلع الذي ينتاب كثيرين.
ثم بدأت أفلام جديدة تظهر هنا وهناك، في تونس والجزائر والمغرب، حيث تُعرض أفلام قصيرة، كـ"لا يهمّ إنْ نفقت البهائم" لصوفيا علوي و"ظلّ الموت" لمحمد مفتكر و"حياة قصيرة" لعادل الفاضلي و"مثل 14 فبراير" لوديع الشراد و"الروح التائهة" لجيهان البحار و"الحائط" لفوزي بنسعيدي، وغيرها. وبين حينٍ وآخر، تُطلق أفلام أخرى ليُشاهدها الراغبون والمهتمّون.
لم يكن المخرجون لوحدهم. فـ"المركز السينمائي المغربي" يبثّ 25 فيلماً مغربياً، قديماً وحديثاً، عبر موقعه الإلكتروني.
أمام كثرة الأفلام المعروضة على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصّات، يحتار المرء في الاختيار. فالأفلام السياسية والواقعية تبدو كأنّها غير مشتهاة في هذه الأزمة. هناك من يُفكّر في أفلامٍ رومانسية، لكنّها تعبير ساذج، ربما، عن لحظة معاشة الآن. الأمر لا يقتصر على المُشاهَدة، فالمُشاهِد مُطالَبٌ بالتفكير في خصوصية الفيلم وجمالياته وطرائق اشتغاله على واقع أو قضية معينة، في سياق جمالي وسياسي واجتماعي وتاريخي.
الأفلام المعروضة في المغرب متفاوتة ومتباينة بين قديم وجديد، وبعضها ضاج بالترفيه والسطحية، لرغبةٍ تتمثّل في إمكانية التوليف ومقارنتها مع أفلام جديدة، بغية رصد خصوصيات جمالية قطعها المشهد السينمائي المغربي، والوقوف عند التقاطع والاختلاف اللذين طَبَعا الفيلم المغربي منذ ثمانينيات القرن الـ20 إلى الآن. لكنّ المسألة حلم مشتهى، أمام رعب المرض، وما تتناقله قنوات التلفزيون المغربي من رداءة. لذا، هناك كثيرون يُفضّلون تحاشي التلفزيون وبرامجه اليومية، فينتقلون إلى فضاء سينمائي أجمل، لعلّه يُحرِّر الذات من رعبها اليومي.
مع ذلك، يظلّ التفاعل المغربي مع هذه الأفلام مُحتشماً للغاية، على مستوى التقييم، باستثناء كتابات قليلة جداً تُقدّم أسطراً قليلة حول موضوع فيلم ما، أو تعليقات قصيرة ممزوجة بنوستالجيا المُشاهدة ومتعتها. أولاً، بسبب الوضع القاسي خارج المنازل، وثانياً بحكم هشاشتنا وفقرنا وآلامنا التي ربما لا تتحمّلها السينما نفسها.