السيسي والخيار الروسي: تضحية بالسعودية بلا مقابل

25 نوفمبر 2016
التأخر الروسي يضرّ الاقتصاد المصري (ميخائيل ميتزل/Getty)
+ الخط -



يسيطر الغموض على العلاقات المصرية ـ الروسية بعد اقتراب عام 2016 من نهايته، من دون إعلان موسكو استئناف رحلات الطيران الموقوفة إلى القاهرة، ومن دون التوصل إلى اتفاق نهائي لتشغيل المحطة النووية بالضبعة، التي تم توقيع العقد الخاص بها بين وزارة الكهرباء المصرية وشركة "روس آتوم" الروسية، برعاية الحكومة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

وعلى الرغم من التنسيق المصري ـ الروسي المتنامي على الصعيد الدبلوماسي والاستراتيجي والعسكري، إلا أن الأضرار الاقتصادية الواقعة على مصر جراء التأخر الروسي في ملفي السياحة والطاقة، تثير تساؤلات عن إصرار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على تقديم كل هذه التنازلات للجانب الروسي، بل والتضحية في سبيله بالدعم السعودي.

في هذا السياق، تكبّد السيسي والاقتصاد المصري المأزوم خسائر فادحة جراء قراره بالإفصاح عن التقارب السياسي مع روسيا فيما يخص الملف السوري، بتأييده مشروع القرار الروسي بشأن حلب. وهو ما دفع السعودية إلى منع الإمدادات البترولية المتفق عليها إلى مصر لشهرين متتاليين. ولا توجد إشارات بانفراج الأزمة في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، مما تسبب في عجز ملحوظ في الوقود في مصر، ودفع القاهرة للبحث عن صفقات استيراد أخرى بأسعار عالية.

في المقابل، لم يساهم الدعم المصري الاستخباراتي والسياسي المتصاعد لنظام بشار الأسد، كما لم تساهم التدريبات العسكرية المشتركة بين مصر وروسيا، في حصول مصر على مكاسب عاجلة في ملفي السياحة والطاقة، بل إن القرض الروسي الذي تم الاتفاق عليه بين البلدين لتمويل المحطة النووية بقيمة 25 مليار دولار، وكان من المفترض أن يصل مصر منه نحو 247 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصبح مهدداً بإدخال تعديلات مالية عليه، قد تؤخر إيداع المبالغ، وفق ما يفيد مصدر مطلع بوزارة المالية.

يوضح المصدر أن "هناك ضرورة ملحة حالياً لتعديل الجدول الزمني لإيداع دفعات القرض، نظراً للانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، بنسبة تتجاوز 100 في المائة عن التوقيت الذي تمّ فيه إبرام اتفاق القرض". وينوّه إلى أن "اتصالات جرت بين القاهرة وموسكو في هذا الشأن، استناداً إلى مادة في الاتفاق تسمح بتعديل نظام ومواعيد الإيداعات، خصوصاً أنه لم تصل أية مبالغ من روسيا حتى الآن".



من جهتها، تكشف مصادر دبلوماسية مطلعة عن أن "الجانب الروسي ما زال يرهن إصدار قرار باستئناف الرحلات الجوية إلى مصر، بالتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن التفاصيل العالقة في ملف المحطة النووية، وذلك على الرغم من اعتراف المسؤولين الحكوميين الروس، بأن مصر نفّذت جميع الاشتراطات الفنية التي طلبوها لتأمين رحلات الطيران، على خلفية الحادث الإرهابي الذي أدى إلى سقوط طائرة روسية فوق سيناء خريف العام الماضي".

وتردف المصادر أن "هناك تباطؤاً روسياً ملحوظاً، لا يتماشى مع التقارب بين البلدين على الصعيد الاستراتيجي والعسكري"، شارحة ذلك بأن "المسؤولين الروس يتحدثون عن احتمال رفع حظر الطيران مطلع العام المقبل، وأنهم يشترطون قبل ذلك الاطمئنان على التقارير التي سيقدمها خبراء النقل الجوي والتأمين الروس، علماً بأن الخبراء لن يزوروا مصر قبل يناير/كانون الثاني المقبل".

وتذكر المصادر أن "هذا الموعد هو الثالث الذي يحدده المسؤولون الروس لعودة الرحلات الجوية، وليس أمام مصر إلا الانتظار"، مشددة على أن "صدور قرار بهذا المعنى من روسيا سيؤدي حتماً إلى إنعاش السياحة المصرية تحديداً في جنوب سيناء". وهي منطقة مفضلة للسائحين الروس، وتنشط بها شركات سياحة روسية في مجالات النقل الجوي والبري وإدارة المنتجعات السياحية.

أما المشاكل العالقة في ملف الضبعة، فتوضح المصادر الدبلوماسية أن "بعضها فني وتقني، والبعض الآخر يتعلق بالعملية التأمينية لمبانٍ وإنشاءات المحطة ذاتها، وكذلك تأمين الخبراء والمهندسين الروس الذين سيحضرون للمشاركة في العمل". وتلفت إلى أن "زيارات سابقة لخبراء روس إلى الموقع المقترح للمحطة كشفت عن ضعف تأمينها. وهو ما اعتبرته موسكو أمراً يعرّض حياتهم للخطر".

وسبق لـ"العربي الجديد" أن كشفت عن وجود اتصالات بين روسيا ومصر لاستغلال القاعدة العسكرية في سيدي براني كمستودع للأجهزة والآليات الروسية التي ستشارك في عملية إنشاء المفاعل النووي، التي لا يعرف كم ستستغرق على وجه التحديد، في ظل ضعف التمويل واعتماد مصر على القرض الروسي بشكل كامل في ذلك.

يذكر أن وسائل إعلامية مصرية مؤيدة لنظام السيسي أكدت مراراً زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للقاهرة خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول الماضي ونوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ليشهد التوقيع النهائي على اتفاق المحطة النووية، لكن السفير الروسي في القاهرة، سيرغي كيربيتشينكو، نفى، يوم الإثنين، أية زيارة لبوتين إلى القاهرة خلال الفترة المقبلة.