السيسي كـ"إصلاحي" بالمشانق

21 فبراير 2019
من تظاهرات ضد السيسي في لندن (شون ديمبسي/الأناضول)
+ الخط -
ليس سراً أن بعض دوائر صناعة القرار وقوى التطرف، في الغرب، ورجالات الصهيونية، يصرون على اعتبار أنظمة الاستبداد العربي المخرج الأفضل لأزمات المنطقة، وللحفاظ على المصالح الاستراتيجية. يتكرر خطاب رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، التسويقي، في مسعى لإبقاء حكمه إلى الأبد، ومراكمة رصيده عند أحزاب وساسة فاشيين وشعبويين في أوروبا، فالمشترك بينهم هو الإمعان في قراءة مصادر "الخطر على الحضارة الأوروبية". فالسيسي يظن نفسه بمستوى مارتن لوثر المسلمين، مدغدغاً مخاوف القارة الأوروبية، ودوائر اليمين القومي المتطرف خصوصاً.
لم يستثن السيسي، في مؤتمر ميونخ للأمن، بانتهازية كبيرة، مسلمي القارة الأوروبية، بالتحريض وبالدعوة للتنبّه منهم. وذلك يستدعي تأملاً جاداً في المسار الذي تؤخذ إليه مصر، والعرب والمسلمون أمام الغرب. فالمصفقون من العرب، لشعبوية بعض الحكام العرب، يعززون مخاطر تقزيم دور مصر وحجمها.

منذ البداية والسيسي يُبدي تذاكياً على المنابر، واستماتة لتسويق أنه "طبيب الفلاسفة"، وأن الجميع يستمعون إليه، وقد أحاط نفسه بدائرة من خليط كومبارس انتهازي، ديني ومجتمعي وفني، وبروباغندي، لاستكمال حكاية "المجدد الإصلاحي"، كما بقية "المجددين" و"الملهمين" العرب. قد لا يرى الرجل وحاشيته، رغبةً أو إنكاراً، صورته الحقيقية بين ذلك "الجميع". فأقل الأوصاف في صحافة حرة في الغرب تضعه في عناوين "طاغية" و"ديكتاتور مصر" و"ملتهم مؤيديه". هذا عدا عن الاشمئزاز من مقايضة "شرعية قهرية" بمصالح مادية، استناداً إلى مشتركات إنسانية عالمية في القيم والحقوق والعدالة، وإلى مصالح طويلة المدى تتجلى في خطر توجّه المزيد من اللاجئين شمالاً.

الحُكم عبر المشانق قد يثير إعجاباً لدى قوى معينة في الغرب، وتلك المتطرفة في حنينها لشمولية ونازية وفاشية. لكنها في المقابل أساليب، أقله بالنسبة لمجتمعات الشمال الأوروبي التي تخلصت من الملكيات المطلقة والأنظمة الشمولية، وفرضت دساتيرها الديمقراطية، ليست سوى أساليب تعود إلى القرون الوسطى.
ليس الخطر فقط في تنميط الحالة العربية والمصرية، على أنها تحتاج لـ"إصلاحيين" بالحديد والنار، وبالمشانق وقطع الرؤوس، وبالترهيب إخضاعاً، بل في ما تجلبه من نقمة ويأس لدى أجيال عربية ومسلمة، رأت تجارب غيرها في طلب الحرية، توأد.