السياحة الجزائرية تشكو من سوء إدارة القطاع وتدنّي الخدمات

31 مايو 2017
الجزائر تتمتّع بمقومات سياحية هائلة (فرانس برس)
+ الخط -
ما زال أداء السياحة الجزائرية دون التوقعات، على الرغم من امتلاك البلاد موارد طبيعية وإمكانات كبيرة، وجاءت إقالة وزير السياحة مسعود بن عقون، يوم الأحد الماضي، بعد 72 ساعة من تعيينه في حكومة عبد المجيد تبون الجديدة، لتفجّر السجال والجدل في البلاد حول غموض الرؤية وعدم التخطيط لهذا القطاع المهم الذي يمكن أن يساهم في الحد من الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد حالياً، بفعل أزمة النفط.
وأكد خبراء سياحة لـ "العربي الجديد" أن القطاع يعاني من غلاء في الأسعار وتدني الخدمات والعديد من المشاكل، بالإضافة إلى سوء إدارة الحكومة لهذا الملف، ما أدى إلى ضعف الأداء السياحي وتراجع الإيرادات، وطالبوا الحكومة الجديدة بضرورة حل المشاكل التي تواجه القطاع لإخراجه من كبوته.
ويشتكي جزائريون من أن الخدمات السياحية تعتبر الأغلى بين دول المنطقة، فقضاء ليلة واحدة في أحد الفنادق الجزائرية ذات ثلاث أو أربع نجوم يكلف بين 100 و170 دولاراً، يقابلها خدمات لا تعكس حجم الفاتورة التي يدفعها الزبون، حسب سياح لـ "العربي الجديد".

غلاء الأسعار
ويقر رئيس النقابة الجزائرية للوكالات السياحية إلياس سنوسي بغلاء الأسعار والخدمات الفندقية في الجزائر مقارنة بجودتها، ويرجع سنوسي في حديثه لـ "العربي الجديد" هذا الاختلال إلى "عدم نشاط السياحة بشكل دائم ومستمر طوال العام، إذ إنها موسمية تمتد شهرين في الشمال خلال فصل الصيف، وقرابة شهر في فصل الشتاء في الصحراء الكبرى التي تتحول إلى قبلة السياح الأجانب لإقامة حفلات نهاية السنة".
وأضاف سنوسي أن هذه الحالة "دفعت بما لا يقل عن ثلاثة ملايين جزائري إلى قضاء عطلة الصيف في الخارج، ما بين تركيا وتونس والمغرب ومصر ودبي، فيما اقتصرت السياحة الداخلية على بعض العائلات الميسورة، فقضاء أسبوع في مدينة بجاية الساحلية (350 كم شرق العاصمة الجزائرية) يكلف قرابة 300 ألف دينار (2800 دولار) على الأقل لعائلة صغيرة وبنفس المبلغ يمكنك قضاء ثلاثة أسابيع في تونس في فنادق 4 إلى 5 نجوم مع خدمات أفضل بكثير من تلك الموجود في الجزائر".
ولفت سنوسي إلى أن "الوكالات أصبحت تفضل الترويج للسياحة الخارجية على حساب الداخلية، لأنها تسمح لها بكسب هامش ربح بسبب أفضلية أسعار الوجهات الخارجية مقارنة بالأسعار الداخلية التي تنفر الزبائن".
ودفعت الأزمة المالية التي خلفها تهاوي أسعار النفط على الاقتصاد بقطاع السياحة إلى اتجاه الخطاب الحكومي للاهتمام بالسياحة والصناعة والزراعة لتعويض عائدات النفط التي يرتكز عليها الاقتصاد الجزائري، ووضعت الحكومة عدة مشاريع سياحية جديدة وفتحت الباب أمام الخواص للاستثمار في القطاع من خلال منحهم إعفاءات ضريبية، وذلك لبعث قاطرة السياحة التي عجزت عن قيادة قطار الاقتصاد كما هو عليه الحال في العديد من البلدان المجاورة كتونس والمغرب.


الأزمة المالية
وحسب الخبير في المجال السياحي رزق الله نعمون لـ "العربي الجديد" فإن "الأزمة المالية دفعت الحكومة إلى إحداث تغيير ولو ضئيل في نظرتها للقطاع الذي ظل مهمشاً وخارج حساباتها، فكثيراً ما كان القطاع يمنح إما للوزراء الذين يُراد لهم أن يغادروا مناصبهم أي كعقوبة لهم، أو يمنح القطاع لأطراف خدمت السلطة كما كان عليه الحال مؤخراً حين منح لحزب الحركة الشعبية الجزائرية التي ساندت الرئيس بوتفليقة، لكن تبين أن الوزير الجديد مسعود بن عقون ملاحق قضائياً ولم يعمل قط في أي وظيفة لها علاقة بالسياحة".
وسرعان ما اصطدم الخطاب الحكومي المروج والداعم للسياحة بالواقع "التقشفي" الذي خلفه سقوط عائدات النفط الجزائري إلى قرابة الثلث في ظرف سنتين، كما تآكل الاحتياطي النقدي، ما دفع الحكومة إلى تقليص الميزانية المخصصة للسياحة من 363 مليون دولار سنة 2016 إلى 327 مليون دولار السنة الحالية والرقم مرشح للتراجع السنة المقبلة.
وإلى ذلك يرى الخبير الاقتصادي فرحات علي، أن "الخطاب الحكومي الذي يتحدث عن دعم السياحة وجعلها كبديل للنفط سرعان ما تنسفه الأرقام التي تكشف عن تفضيل الحكومة لتقليص ميزانية القطاع على حساب قطاعات أخرى كالدفاع التي أفلتت من التقشف".
وأضاف فرحات لـ"العربي الجديد" أنه "من جهة أخرى نسمع حديثاً حكومياً عن عشرات المشاريع السياحية الكبيرة وفي نفس الوقت نسمع أن الحكومة جمّدت معظم المشاريع في مختلف القطاعات، وبالتالي هناك ازدواجية بين الأقوال والأفعال تعكس عدم امتلاك برنامج واضح المعالم لتحريك عجلة السياحة".

تحديات الاستثمار
ومثل باقي القطاعات الاقتصادية في الجزائر، تجد السياحة صعوبة في استقطاب الاستثمارات الخاصة الجزائرية والأجنبية، وذلك لوجود عدة عقبات تقف حائلاً دون تدفق الأموال في القطاع، أهمها البيروقراطية والفساد يضاف إليهما النظام المصرفي الذي يبقى خارج المعادلة لرفضه الانخراط في تمويل المشاريع الخاصة الموجهة للسياحة، حسب مستثمرين سياحيين لـ "العربي الجديد".
ويقول المستثمر وصاحب سلسلة فنادق عبد القادر العربي إن "الاستثمار السياحي كغيره من الاستثمارات الأخرى في الجزائر يعاني من مشكل كبير هو تدهور العقارات السياحية نتيجة الشغل العشوائي لمناطق التوسع السياحي".
ويضيف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أنه "بعد الانطلاق في النشاط فإن مشكل التمويل يطرح بقوة بسبب عدم ملاءمة النظام البنكي الجزائري لهذا النوع من الاستثمارات، في ظل غياب تمويل الاستثمارات طويلة الأجل والنشاطات السياحية، يضاف إلى ذلك كثرة الإجراءات والبيروقراطية التي تميز الإدارة الجزائرية، والتي قتلت العشرات من المشاريع السياحية قبل رؤيتها النور".

مقومات هائلة
وحسب تقارير حكومية، تزخر الجزائر بمقومات طبيعية تميزها عن الكثير من دول المنطقة، إذ يجتمع البحر الممتد على طول 1200 كيلومتر مع الصحراء التي تتربع على 80 % من مساحة البلاد التي تفوق مليوني كيلومتر مربع بها أكبر خزان للطاقة الشمسية وللمياه الجوفية في العالم، بالإضافة إلى سلاسل جبلية عدة ممتدة من الحدود التونسية الشرقية إلى الحدود المغربية غرباً في المناطق السهلية الشمالية.
ويقول المدير الفرعي بالديوان الوطني للسياحة (هيئة حكومية) رضا علي باكير لـ "العربي الجديد" إن "الجزائر تتمتع بموارد سياحية متعددة ومتكاملة نادراً ما نجدها مجتمعة في دولة بالمنطقة، ما يمكن أن يجعلها وجهة سياحية رائدة في حوض البحر الأبيض المتوسط".
وعن الوجهات السياحية الأكثر إقبالاً يقول باكير إن "الصحراء الجزائرية هي القبلة الأولى لسياح الداخل والخارج وبالأخص منطقة "تيميمون" التي تعتبر الوجهة الأولى في الصحراء، تليها المناطق الشمالية الساحلية في فصل الصيف فقط، فيما تبقى المناطق الداخلية راكدة سياحياً بالرغم من كونها وجهة سياحية وعلاجية في نفس الوقت".
واعترف باكير بضعف مساهمة الإيرادات السياحية في الناتج المحلي الخام.
المساهمون