السوشال ميديا... حربٌ على الذاكرة الورقية

31 ديسمبر 2016
( في معرض الكتاب الدولي بكراكوف/ غيتي)
+ الخط -
مازلت أذكر جيدًا موجة الكتب الرقمية التي انتشرت مع انتشار أجهزة "الألواح الرقمية"، أو ما يسمى بالـ Tablets، وبدأ العالم يتحدّث عن احتمالية اختفاء الكتب الورقية، والاعتماد بشكلٍ كاملٍ على الكتب الرقمية، إلا أن ذلك لم يحدث بالفعل، فالكتب مازالت تُطبع وتباع بل وبنسبة أكبر من ذي قبل، بقيَ الكتاب الورقي أصلاً ثابتاً وفي الوقت ذاته وجد الكتاب الإلكتروني مكانًا له في عالم القُرّاء ولم يلغِ أحدهم الآخر.

إسقاط هذا الأمر صالح تمامًا في ما يتعلّق بـ "مواقع التواصل الاجتماعي" والأخبار والاعتقادات والتحليلات التي تتحدّث أن الإعلام الجديد سيحل مكان التقليدي، وما هي إلا سنوات قليلة حتى يصبح الإعلام التقليدي من ذكريات الزمن الجميل.

الفجوة اليوم بين الصحفي التقليدي والصحفي الجديد، هي نتاج فهم خاطئ من كلا الطرفين، وخصوصًا أن نظرة كل منهما للآخر هي نظرة استحواذ وسيطرة وكلٌ يريد إقصاء الآخر والتقليل من شأنه.

أداة موازية
علينا أن نتفق أن الإعلام الجديد أصبح واقعًا لا يمكن التغاضي عنه، وأن استخدام الإعلام التقليدي بأدواته وأساليبه القديمة أصبح أمرًا يستحيل تقبله من جمهور دخلت السوشال ميديا في أدقّ تفاصيل حياته، في المقابل أيضًا لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن تصنع عالمًا من الأخبار عبر منصّات مواقع التواصل الاجتماعي، دون الاعتماد على إرث الإعلام التقليدي ودمجهما معًا دون إقصاء أي طرف منهما للآخر، وبالتالي يجب أن يعي كلا الطرفين، أنهما طرفان أساسيان لا يلغي أحدهما الآخر.


حاجز الانتقال
لا يليق بحال من الأحوال أن يقول صحفي أيًا كان عمره أن القطار قد فاته، ولا يمكنه أن يتأقلم مع أدوات الإعلام الجديدة، أو أن يقزّم من شأنها ويصفها بألعاب الهواة والناشطين، وأن ما تحتويه لا يُمثل الإعلام الحقيقي ويصفها بالإعلام المائع أو السطحي.

في المقابل أيضًا، لا يليق بصحفي شاب أن يصف الإرث العظيم للإعلام ومن سبقه من الإعلاميين بالتاريخ الذي ذهب ولن يعود، وأن يرفض الانخراط وتطويع الأدوات الجديدة بين يديه لصقل التجربة الجديدة.


ما الجديد؟
خلافًا لكل الوسائل الإعلامية التقليدية كالتلفاز والإذاعة والصحف والمجلات، تتيح منصّات التواصل الاجتماعي اليوم الفرصة أمام مستخدميها لصناعة الخبر، والقيام بدور فاعل وحقيقي في تبادل المعلومات وتحليل الأخبار.

قرابة نصف مستخدمي شبكات التواصل حول العالم، يشاركون عبر حساباتهم وصفحاتهم المحتوى الخبري بجميع أشكاله كالصور والفيديو والأخبار المكتوبة.

تلك المشاركة الفاعلة تخلق شعورًا بالمعنى الحقيقي لأن تكون صانعًا للخبر لا مجرّد متلقٍ له، إذ أصبح بإمكان كل شخص أن يكون صحفيًا عبر حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي، ولعل هذا نقطة التحوّل الأبرز اليوم والتي تستدعي تأقلمًا سريعًا.


أداة فقط
أؤمن جدًا أن الإعلام والإرث الذي قام عليه أصله ثابت، ما يتغيّر فقط هو الأدوات، وهو أمرٌ طبيعي ولا حرج فيه، فالخبر الذي كان يُنشر عبر الصحف أصبح يقرأ على شاشات التلفزة، من ثم وجد له مكانًا على مواقع الإنترنت، ومؤخرًا عبر منصات التواصل الاجتماعي وعوالمها وأدواتها.

السوشال ميديا، هي أداة ستتغير يومًا ما، قد تطول مدتها أو تقصر لا أحد يدري ما يخبئ لنا الزمن، إلا أنها أداة اليوم، وأصبحت أسلوب حياة لشعوب بأكملها، الإعلام التقليدي والجديد وما سيأتي بعدهما هي عبارة عن خطوط متوازية يكمل كل منها الآخر.

ختامَا، دعونا نستبدل "الإعلام التقليدي والإعلام الجديد" بـ "أدوات الإعلام" الجديد منها والقديم، فالإعلام باقٍ والأدوات تتغيّر وتتجدّد وتُستحدث.