وأنعش خبر الضربات الجوية الجدل السياسي بين السوريين، الذي بدأ يفتر في الآونة الأخيرة. ويوضح أحد سكان مناطق سيطرة النظام، وهو مدرّس يدعى أحمد حاضري، أنّ "الناس لا يشعرون أنّ باستطاعتهم التأثير على مجرى الأحداث الدائرة في البلاد، وأن جميع الأحاديث السياسية، سرعان ما كانت تتحوّل إلى شكوى ورواية قصص مأساوية، لتنتهي بدعوات الخلاص".
ويضيف أن "أحداً لم يستطع تجاهل ما سمعه عن ضربات طائرات التحالف، إذ يعلم الجميع أن نتائجها ستحدّد مصيرنا جميعاً، وقد بدا المشهد العراقي، وسيناريو التفكيك والتقسيم والوجود الأجنبي، حاضرين بقوة في توقّعات الشارع السوري".
ويشكو أحد الصحافيين في العاصمة دمشق، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، من "تأخّر العديد من وسائل الإعلام الشهيرة في مواكبة الحدث، فضلاً عن ابتعاد السوريين عن متابعة وسائل الإعلام، بسبب طول فترة انقطاع الكهرباء، إضافة لإحجام البعض الآخر عن سماع الأخبار وانشغالهم بمتاعب المعيشة والعمل". ويوضح أنّ "معظم الناس ليسوا على دراية بكامل الحدث، ولا يعرفون الدول المشاركة في التحالف والمواقع التي تمّ استهدافها".
وحول درجة اهتمام الشارع السوري بهذه الضربات الجوّية، يوضح المتطوع في الهلال الأحمر، علي منصور، لـ"العربي الجديد"، أنّ "السوريين تعرضوا لجميع متاعب الحرب وأهوالها، من قتل واعتقال وخطف وقصف، وهو ما يفسّر حالة عدم الاكتراث العام". ويضيف: "شخصياً، أعتقد أن مساعدة المتضررين الآن، تستحق انشغالي أكثر من الاهتمام بالضرر الذي سيلحق بداعش وجبهة النصرة، أو الاهتمام بتصريحات النظام".
شبح غلاء الأسعار
وانخفضت قيمة الليرة السورية، بينما ارتفعت أسعار البضاعة الأجنبية في عموم البلاد، إثر الحديث عن حتميّة الضربات الغربية، وانعكس هذا الارتفاع سريعاً على أسعار المواد المستوردة، كالأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والهواتف المحمولة، كما أدّى إلى ارتفاع سعر الذهب.
ويقول أحد الصرافين في مدينة حلب، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سعر صرف الدولار في السوق السوداء لم يكن مستقراً، بسبب الشائعات والتخوّف من تأثير الضربة على التجارة والاقتصاد، وقد سجل سعر صرف الدولار قفزة واضحة، صباح الثلاثاء الماضي، إذ وصل إلى 198 ليرة سورية، بينما كان في اليوم السابق 185 ليرة". ويضيف أنّ "معظم الناس متخوفون من أن يطول ارتفاع أسعار المواد الأساسية، كالغذاء والمحروقات، فيزيد الحال سوءاً".
يجمع السوريون على كراهية تنظيم "الدولة الاسلامية" ورفض ممارساته المتطرّفة، بخلاف "جبهة النصرة"، التي تتمتّع ببعض التعاطف بسبب تصدّيها لقوات النظام، وهو ما خلق جدلاً عن مقاصد استهدافها بالضربة. وفي هذا السياق، تعرب سارة الحجي، وهي من أهالي الرقة، لـ"العربي الجديد"، عن "تأييدها التام للقضاء على داعش، الذي بات شبحاً يلاحق السوريين في كل مكان في المناطق المحررة".
وتوضح أن هذا التنظيم هو السبب في تشريد جميع أفراد عائلتها الذين فروا خوفاً من أذيّة عناصره، كما تشير إلى أن "المعارضين الوحيدين لاستهداف مقرات داعش اليوم، هم أهالي المعتقلين في سجون هذا التنظيم، ومعظمهم لا يعرف شيئاً عن مصيرهم، إلا أن ذويهم يخافون أن يقعوا ضحايا لهذه الضربات".
هل تطال الضربات قوات النظام؟
يتوقع الكثير من السوريين المعارضين للنظام، أن تطال الضربات الجوية قوات النظام السوري، ويعتبر أحد النازحين من منطقة الباب في ريف حلب، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الممارسات الإجرامية للنظام، لا تقلّ عن تلك التي قام ويقوم بها تنظيم داعش، فالضربات يجب أن تركّز على حماية السوريين ولا تستثني أيّاً ممّن قتلهم".
وقد انشغل مؤيدو النظام وأتباعه، عبر صفحات الانترنت، بتوزيع تطمينات بأن مجريات الأحداث تصبّ في مصلحة النظام. ويؤكد أحد السوريين الموالين، أنّ "العديد من هذه التطمينات ذهب باتجاه تسويق فكرة اضطرار واشنطن للانحياز للنظام وضرب الجهات المعادية له، وهو ما كان قد أبداه وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، في تصريحات سابقة، عندما طالب أميركا بأخذ الإذن من النظام السوري". ويوضح موالٍ آخر أنّ "عناصر جيش النظام في المدينة يواكبون تطور الأحداث، ويتابعون الأخبار بدقة، وهو ما يشير إلى أن حالة من الخوف بدأت تسود بينهم".