وكان الرئيس السوداني، عمر البشير، أعلن أمس إسقاط أحكام الإعدام ومنح العفو العام لفائدة 259 من منتسبي الحركات الدارفورية المسلحة، بينهم 44 حُكم عليهم بالإعدام في أحداث أم درمان مايو/أيار 2008، عندما دخلت "العدل والمساواة"، بقيادة الراحل خليل إبراهيم، الخرطوم.
وسارعت القوى السياسية المعارضة والحركات المسلحة للترحيب بخطوة الحكومة بالإفراج عن الأسرى والمحكومين، ورأت في القرار "خطوة من شأنها أن تصب في تحريك جمود التفاوض والوصول لاتفاق سلام وحوار حقيقي ينهي حالة الحرب ويقود لاستقرار البلاد".
واعتبر رئيس حركة "العدل والمساواة"، جبريل إبراهيم، قرار البشير بالإفراج عن الأسرى والمحكومين "منقوصاً، لأنه لم يشمل عدداً كبيراً من الأسرى، بينهم القيادي في الحركة، إبراهيم الماظ، وعدد آخر من الضباط الذين أسروا في معركة قوز دنقوا قبل ما يقارب العامين"، ولكنه رجع وأكد أنها "خطوة جيدة تصب في اتجاه تهيئة المناخ لإجراء حوار وطني شامل، يقود لمفاوضات جادة لتحقيق السلام".
وأكد إبراهيم أن قرار الحكومة أتى في إطار "رد التحية بمثلها"، على اعتبار أنه جاء بعد أقل من 48 ساعة من تسليم الحكومة 125 أسيراً كانوا لدى "الحركة الشعبية- قطاع الشمال".
ومثلت قضية أسرى الحركات المسلحة، لاسيما المحكومين بالإعدام في أحداث أم درمان الشهيرة، عقبة أمام تقدم المفاوضات بين الحكومة والحركات الدارفورية المسلحة منذ انطلاقة مفاوضات السلام في الدوحة في 2009، الأمر الذي رأى فيه مراقبون مؤشراً لاقتراب التسوية السياسية.
وأقامت إدارة السجن الذي كان يوجد به الأسرى والمحكومون في العاصمة السودانية احتفالاً بالقرار الرئاسي، إذ تحدث القيادي في "العدل والمساواة" وأحد المحكومين بالإعدام، عبدالعزيز نور عشر، نيابة عن المفرج عنهم، مطالباً الحكومة بالإفراج عن بقية زملائه ممن أسروا في معركة قوز دنقو 2015، وجميع من لم يشملهم قرار العفو.
وبعث رئيس "حزب الأمة" المعارض، الصادق المهدي، الخميس، برسالة إلى الرئيس السوداني هنأه فيها بقرار العفو، ورأى أنها "خطوة نحو السلام المطلوب"، وشدد على "ضرورة تجديد التأكيد على خارطة الطريق التي وقعتها الحكومة مع قوى نداء السودان، ممثلة في الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، إلى جانب قوى معارضة سلمية، بينها (حزب الأمة)".
وطالب المهدي الآلية الأفريقية لحل أزمة السودان، بقيادة ثامبو امبيكي، إلى التقاط التطورات الإيجابية في الملف السوداني وتحريك جمود التفاوض للوصول للسلام.
وقال "الأمة" المعارض، في بيان له اليوم، إن "إطلاق محكومي وأسرى الحركات الدرافورية سيكون له أثر إيجابي على عملية السلام ووقف الحرب إذا ما استكمل بإطلاق سراح جميع الأسرى والمحكومين والمعتقلين السياسيين القابعين في سجون النظام".
ويرى محللون أن عملية إطلاق سراح الأسرى والمحكومين اليوم حلت أكبر القضايا وأعقدها، كما أنها "تمثل استجابة حكومية لبعض شروط المعارضة التي وضعتها للانخراط في الحوار الوطني"، مؤكدين أن "المشهد حالياً مهيأ للانتقال للمرحلة المقبلة، والمتمثلة في الاتفاق على إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الحرب".
ويقول المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، إن "العفو سيخلق أجواء جديدة إيجابية بين الحكومة والمعارضة، بشقيها السلمية والمسلحة"، ورجح أن تنطلق جولة جديدة للمفاوضات خلال أيام قليلة، يتم فيها الاتفاق على القضايا العالقة فيما يتصل بإيصال المساعدات والاتفاق على وقف الأعمال العدائية، ومن ثم الانخراط في عملية الحوار، وصولاً للتسوية السياسية الشاملة.
وأوضح أبو الجوخ: "هناك شبه اتفاق بشأن عدد من القضايا بين الحكومة والحركات المسلحة فيما يتصل بمواقع وجود القوات ومعالجتها والمساعدات الإنسانية، ما يجعل من جولة المفاوضات المرتقبة أمراً شكلياً يتم خلالها الاتفاق على الترتيبات العسكرية ووقف إطلاق النار والانخراط في عملية سياسية".
وأضاف: "الوضع حالياً يمهد لجو سياسي جديد من شأنه أن يلجم التيارات هنا وهناك الرافضة للتسوية السياسية ويحرجها، كما سيعرقل محاولاتها لتعطيل الملف".
وقبيل عملية الإفراج عمن جرى العفو عنهم، نقلت تقارير الشروعَ في إعدام القيادي بحركة "العدل والمساواة" التوم حامد توتو، ونقله للغرفة الخاصة بتنفيذ حكم الإعدام، قبل أن تتم إعادته إلى غرفة السجن مرة أخرى وإيقاف تنفيذ الحكم.
وعزا البعض الخطوة إلى محاولة تيارات داخل الحزب الحاكم نسف خطوة الرئيس، لاسيما وأن قرار العفو لم يشمل عدداً كبيراً من قادة وكوادر الحركة المحبوسين عقب معارك دارت في دارفور وجنوب كردفان، ربما تستعملهم الحكومة في مفاوضاتها المقبلة.