ولفت السنيورة إلى أن الحريري كان "متجهماً، كنا نقرأ في عيونه مزيجاً من الغضب والألم والإحساس بانتهاك الكرامة"، وأضاف "قال لنا الحريري إنه اجتمع بالأسد الذي أبلغه أنه يجب أن يسير بالتمديد وإلا سأكسر لبنان على رأسك".
وأشار السنيورة إلى أن "الحريري سعى للخروج من هذا الموقف لكنه فشل، وأبلغه في 28 أغسطس/آب 2004 السير بالتمديد للرئيس إميل لحود. وقد فهم من الحريري أن الأخير وُعد بأن لحود بعد التمديد سيكون شخصاً آخر".
ولفت إلى أن "غالبية معارضي الحريري كانوا يدورون في فلك النظام الأمني السوري والنظام الأمني اللبناني، وكان هذا النظام المشترك يؤثر عليهم ويستخدم كثيراً منهم من أجل هذه الصورة النمطية التي كانوا يريدون أن يظهروها عن الرئيس الحريري".
وأكد وجود "تعاون وثيق جداً بين النظام الأمني السوري والنظام الأمني اللبناني، وكانا معاً يشكلان مكاناً لترويج الأفكار والشائعات عن الرئيس الحريري".
وأعطى مثلاً حول ذلك، أن "الرئيس الحريري أراد أن ينشئ مكاناً من أجل أن يكون مثل مكان للصناعات في منطقة اسمها القريعة، وكانت النتيجة أنه رُوّج بأن الرئيس الحريري جاء لتملّك هذه المنطقة باسم الدولة اللبنانية من أجل أن يجد مكاناً لتوطين الفلسطينيين في لبنان".
وتابع "تصور كمية الشائعات التي تحاول أن تلطّخ اسم الرئيس الحريري في قضايا لم يفكّر بها، لم تخطر في باله على الإطلاق، حاولوا أن يشوّهوا سمعته بأنه بدلاً من أن يأتي بشيء فيه خير للاقتصاد كان يريد أن يوطّن الفلسطينيين".
وأبدى السنيورة عدم اعتقاده بوجود سبب شخصي يدفع اللواء رستم غزالي، والذي كان المسؤول الأرفع في الجهاز الأمني السوري في لبنان، في تلك المرحلة، إلى معاداة رفيق الحريري، بشكل شخصي، هذا كان موقفاً سياسياً متخذاً على أعلى مستوى من أجل تنفيذه في لبنان.
وبحسب السنيورة، فإن "الحريري اعتبر محاولة اغتيال النائب مروان حمادة في أكتوبر/تشرين الأول 2004، نوعاً من الرسائل الموجهة ضده، ولكنه مع إقراره بذلك كان يقول للكثير ممن ينبهونه إلى هذا الأمر إن هذا الأمر لم يجرؤ على القيام به الذين ارتكبوا هذه الجريمة".
وأضاف "لا يمكنني أن أحدد القاتل، لا الذي ضغط على القنبلة ولا الذي كان وراءه. كان هذا الموقف بأن هذا العمل ليس عملاً شخصياً يُرتكب ضد نائب ووزير، وفي هذا الظرف بالذات هو عمل شخصي أو أن هناك أمراً عابراً، كان ذلك بسبب موقف سياسي وبالتالي نُظر إلى الأمر من هذه الزاوية ومن لديه الاستطاعة ليقوم بذلك، وثانياً المصلحة ليقوم بذلك".
وأشار السنيورة إلى أن الحريري كان يعتقد "أن هؤلاء المسؤولين عن هذا النظام الأمني ربما يكونون هم وراء هذا الموضوع، ولكن حتماً لم تكن لديه معطيات الاتهام الكاملة الثابتة ليقول هذا هو الذي أمر بالاغتيال وحتماً لم تكن لدي الإمكانية للقول بذلك أيضاً".
مسؤولون سوريون تورطوا بالفساد
وقال إن "عرقلة رئيس الجمهوريّة الأسبق إميل لحود للإصلاحات ما كانت لتتم لولا غض النظر السوري"، مضيفاً أن "هناك من حاول لجم إصلاحات رفيق الحريري كي يبقى لبنان تابعاً للنظام السوري".
وأشار السنيورة، إلى أن الحريري "نجح بإطلاق ورشة عمل أساسية في قطاعات عدة لكن هناك مبالغة كبيرة في الحديث عن إطلاق يده في الإعمار"، معتبراً أن الحريري "حمل انفتاح لبنان على اقتصادات العالم على عكس اقتصاد سورية الذي كان مغلقاً".
وكشف أن "الحريري تحدث لي أكثر من مرة عن أسماء سورية متورطة في الفساد، وكانت على مستويات عالية"، مشيراً إلى عدد من "مواضيع الفساد التي تورط بها مسؤولون سوريون في لبنان: تلزيم المشاريع والجمارك وقطاعات الهاتف وغيرها من الأمور التي كنا نسمع بها وندرك ماذا يجري فيها".
وتحدث السنيورة عن اللقاء بين الحريري والرئيس بشار الأسد، الذي حصل في ديسمبر/كانون الأول 2003، لافتاً إلى أنه "عندما كان الحريري يذكر هذا اللقاء كان يتجهم ويظهر عليه مقدار من الغضب وشعور عميق من الإهانة".
وأضاف أنه "في إحدى المرات وحين كنت مغادراً، أطرق الحريري باكياً على كتفي وقال لي لن أنسى في حياتي الإهانة التي وجهها لي بشار الأسد. كان متوتراً جداً عندما يستذكر تلك الحادثة وكنت أتجنب تحريك ذلك السكين في جرحه وكان جرحاً عميقاً. كنت أتفهم عدم رغبته بإعادة العبارات التي سمعها، لكنه قال بهدلني وشتمني وأهانني، وهذه العبارات كافية ولست مضطراً أن أسأله ما هي العبارات الحرفية التي قالها الأسد". وتابع السنيورة قائلاً: "الحريري أفرج عن غيظه وغضبه أمامي مباشرة، وهذا أهم من أي قول سمعته من هنا أو هناك عندما وضع برأسه على كتفي وباح لي بذلك".
وأكّد السنيورة أن النظام السوري "كان يلجأ لأسلوب التهديد والشتم والتهويل بنسب مختلفة مع السياسيين والمسؤولين اللبنانيين".
وأشار إلى أنه "بعد مؤتمر باريس 2 (عقد عام 2002) ازدادت العراقيل في وجه الحريري ومشاريعه الحيوية ووصل إلى الحد الذي بدأ معه يرى أن ثمة استحالة في تحقيق اختراق"، موضحاً أن الحريري وصل إلى مرحلة "بدأ يعد فيها الجلسات المتبقية من عهد (الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود)، حتى المرونة لم تنفع مع لحود لكن الحريري كان يأمل بالاحتكام إلى الدستور والسير بأي رئيس آخر".
وختم السنيورة الجلسة الثانية من شهادته بالإشارة إلى أن كلاماً وصل للحريري بأنه "لم يكن ثمة رأي ثابت للأسد من مسألة التمديد للحود، وأذكر أن (نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم) خدام أخبره أنه اجتمع مع الأسد الذي قال له إنه لن يسير بفكرة التمديد".