تفاءل الأردنيون، بعد الهبّة الشعبية التي بدأت في أواخر الشهر الماضي (مايو/ أيار)، واستمرت إلى السابع من الشهر الحالي (يونيو/ حزيران)، عندما بادر العاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، إلى عقد مؤتمر قمة مع كل من ملك الأردن عبدالله الثاني، وأمير الكويت الشيخ صباح الجابر الصباح ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد. وعُقد المؤتمر فجر السادس والعشرين من رمضان، فجر الحادي عشر من يونيو/ حزيران.
اعتقد أردنيون كثيرون أن الهبّة الشعبية، حسبما سمعوه من تعليقات وردت في صحيفة القدس العربي، أو على حساب عبدالباري عطوان، قد أتت ثمارها، وأخافت دول الخليج. ولذلك جاءت المبادرة الملكية السعودية خشيةً مما يمكن أن تتطور إليه الأمور، وما قد تجرّه من إشكالات داخل دول الخليج نفسها. وتفاءل الناس، ومنهم من قال إن المطلوب هو سداد جميع ديون الأردن (40 مليار دولار)، ومنهم من قال عشرة مليارات على الأقل.
كنت ممن قالوا إن الخليج لو منح الأردن 2.5 مليار دولار على ثلاث سنوات دعماً للخزينة العامة، فإن هذا سيمكّن الأردن من إعادة التفاوض براحةٍ تامةٍ مع صندوق النقد الدولي، ويعيد برمجة الاتفاق الذي أبرمه مع الصندوق، والذي كان من المفروض بموجبه أن يقدم الصندوق للأردن قرضاً ميسّراً نوعاً ما في مقابل إقرار الأردن قانون ضريبة الدخل الذي كان الشرارة التي أشعلت فتيلة الاحتجاجات. وبلغت قيمة القرض حوالي 725 مليون دولار، أو ما يساوي 2.175 مليون دولار على مدى 3 سنوات.
وبموجب البيان الذي صدر عن قمة مكة، فإن المبلغ الذي تقرر للأردن كان 2.5 مليار دولار تمنح على مدى خمس سنوات، وهو مبلغ جيد قياساً إلى ظروف دول الخليج، لكن فيه بعض الغموض الذي يحتاج توضيحاً للشعب الأردني.
وبداية الغموض أن توزيع العبء بين الدول الثلاث لم يتقرّر بعد، فهل سيدفع المبلغ بالتساوي بين الأطراف الخليجية الثلاثة، كما حصل في حالة المنحة الخليجية في ديسمبر عام 2011، التي بلغت خمسة مليارات دولار، وقد وزعت بالتساوي بين أربع دول خليجية تدفع كل منها ملياراً وربع المليار على مدى خمس سنوات، للإنفاق على مشاريع تنموية تسدد مباشرة مقابل الفواتير.
أما الآن، فربما لا يكون تقسيم المبلغ (2.5 مليار دولار) بالتساوي بين الدول الثلاث المشاركة فيه. ولذلك، ليس هنالك من التزام واضح، طالما أن هذه النقطة لم تُبت، وستبقى غامضةً إلى أن تتفق الأطراف الثلاثة على عبء كل واحدةٍ منها المحدّد بالأرقام.
أما الغموض الثاني فهو نابعٌ عن عدم معرفة تقسيم الأرقام بين الأغراض التي سيُوجَّه إليها. لقد ذكر البيان الصادر عن اجتماع مكة أن المبلغ سوف يشتمل على وديعةٍ بقيمة لا نعرفها، ستوضع في البنك المركزي الأردني، لتعزيز أرصدته بالعملات الأجنبية.
والهدف الثاني تقديم دعم سنوي مدة خمس سنوات للخزينة الأردنية، من دون تحديد قيمة المبلغ، ومن الذي سيدفعه، والوقت الذي سيدفع فيه.
الهدف الثالث كان منح ائتمان للبنك الدولي، يقدّم على شكل ضماناتٍ يقدّم البنك بموجبها قروضاً ميسّرة للأردن.
أما الهدف الرابع فكان عامّاً وغير واضح، وهو مبالغ للاستثمار، لم تحدد طبيعتها ولا أسبابها.
وباستثناء المبالغ التي ستقدم دعماً للخزينة، وغير معروفة القيمة، فإن باقي المبالغ ليست منحاً، وإنما كفالات ووديعة قابلة للاسترداد في أي وقت، واستثماراتٍ لا يعرف حجمها، ولا توجهها ولا حتى مصدرها، وبالتأمل فيها فإن المنحة ربما تصل إلى مليار دولار، تقدم على مدى خمس سنوات بمقدار مائتي مليون دولار سنوياً.
وهذه بالطبع أمور كلها قابلة للحل والتوضيح، باتفاق يجري الوصول إليه بين الدول المانحة الثلاث، وحينها يكون الأردنيون، ومعهم المهتمون بالشأن الأردني والخليجي، على علم بمقدار المنحة الفعلي، ومواعيد دفعها، وحصة كل دولة مانحة منها.
وإذا صدق هذا التحليل، فإن الشكر يجب أن يُستحق للدول المانحة، لكن المبلغ يأتي دون المستوى المرغوب من الأردنيين، ولا يجوز أن يكون عذراً للأردن للتراخي في وضع برنامج تنموي قد ينطوي على ألم إضافي.
وكذلك، لا يمكن أن يتوقع المانحون مقابل هذا المبلغ موقفاً سياسياً، كما يخشى بعض المراقبين، أن يتنازل الأردن فيه عن ثوابته السياسية حيال القضية الفلسطينية، أو الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف.
ولهذا، لا يشكل حجم المساعدة وغموض مكوناتها ومواعيدها أي إغراء. حتى ولو كان المبلغ كبيراً، فلن يدخل الأردن في مساومةٍ على هذه المواقف والثوابت.
الخيار الآن أمام الأردنيين واضح، وهو أن للاعتماد على دول الخليج في حل مشكلاتهم المالية حدوداً وسقوفاً ليست عالية. وعليهم أن يحتفظوا بموقفهم المتوازن من جميع جيرانهم، شرقاً وشمالاً، غرباً وجنوباً.
علينا أن نحافظ على علاقاتنا الأردنية مع الجميع، وليس لنا مصلحة للتفريط بأي دولة عربيةٍ أو دولة صديقة. وقد لقي الأردن تجاوباً مع مشكلاته من الأوروبيين (الاتحاد الأوروبي)، وتركيا، وقطر، وإن كان معظمه دعماً معنوياً، إلا أنه ضروري.