02 نوفمبر 2024
السعودية.. نساء ضد نساء
إنها إذن معركة نساء النظام ضد النسويات الجدد في السعودية. أطلق النظام ونساؤه حملةً لترويج الانفتاح في "السعودية الجديدة"، كما يحلو لهن أن يسمينها. تقول المذيعة التلفزيونية التي أطلقت شعرها، وطلت وجهها بمساحيق الماكياج، إنها تركت بلادها السعودية إلى الإمارات القريبة والحميمة في العادات والتقاليد، لتتناول قضايا النساء السعوديات اللواتي حرمهن التطرّف من ممارسة حقوقهن. تقول إنها عادت إلى بلادها في السعودية الجديدة، حيث قطار التغيير انطلق، و"العنصر النسائي" في كل مكان في مجالات العمل، من المحال التجارية إلى أرفع المناصب الحكومية، النساء موجودات. لعل المذيعة كادت تقول إن على حكومات الغرب أن تتبع النموذج السعودي في "تقدير" النساء. تتحدّث المـذيعة الطليعية عن الإعلام الغربي "البغيض والمتآمر" الـذي يسيء لسمعة المملكة، مستخدما النساء الهاربات من جحيم نظام الوصاية الذكوري والعنف المنزلي اللواتي تصفهن المذيعة المتحذلقة بالضعيفات اللواتي لم يجرؤن على مواجهة التعنيف باللجوء إلى القضاء، المستقل والليبرالي طبعا. لم يحصل أن أجبر النظام نفسه المذيعة اللامعة ابنة الطبقات الاجتماعية الرفيعة على التنازل عن حريتها، والدليل قدرتها على إطلاق شعرها على الهواء مباشرة، وطلي وجهها بالمساحيق والتحدّث بكل حرية.. بلسان النظام.
وليست المذيعة اللامعة وحيدة في الدفاع عن "نسوية" النظام السعودي. تقول ممثلةٌ أخرى له، في مقابلة مع محطة تلفزيونية، إن قضية رهف القنون، الفتاة التي حصلت على حق اللجوء في
كندا، وباتت موضع اهتمام الإعلام العالمي، مسألة عائلية، لا علاقة لها بمعاملة الدولة لنسائها. كان في وسع رهف ومثيلاتها اللجوء إلى القضاء، ولو أنه لم يكن ليأخذ شكواها على محمل الجد، لصغر سنها، كما تقول الأخيرة. ليس العنف المنزلي ضد النساء بشكل خاص مسألةً ذات أهمية بالنسبة لنساء النظام. ونظام الوصاية الذكوري أشرس أشكال العنف ضد النساء. يقرّر الحظ في الولادة ما إذا كانت الفتاة ستحظى بدعم العائلة في ممارسة قدرٍ ما من الحرية في إطار نظام الوصاية، أم أنها ستخضع لقواعد الوصاية بالكامل، بحسب الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها أو مستوى عادات المحافظة لدى العائلة/ القبيلة. بموازاة الأصوات النسائية المتناغمة مع هـذا الواقع، ومروجته، حملة في الإعلام الحديث والـقديم لترويج الرفاهية والاحترام اللذين تحظى بهما النساء السعوديات في حمى تقاليد الدين والعائلة مقابل الوحدة وقسوة الحياة والعمل للنساء الغربيات، حيث لا حماية ولا من يحمون، مثل سيدة مسنة في كندا، تعرّضت للاعتقال، لعدم قدرتها على دفع إيجار منزلها. عن أي حقوق إنسان يتحدثون؟ يقول المغرّد السعودي في معرض ترويجه لنعيم النساء في المملكة.
فتحت عملية الهروب الناجحة للفتاة السعودية رهف القنون، الباب أمام مثيلاتٍ لها هربن من نظام الوصاية، ليصبحن مادة رائجة للإعلام الغربي، عدا عن فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء، كقصة إعادة الفتاة دينا السلوم بالقوة، مربوطة القدمين واليدين في مطار الفيليبين في طريقها إلى أستراليا. تقدم هؤلاء الهاربات صورةً مختلفة عن الناشطات الحقوقيات السعوديات. باتت الهاربات وقصصهن عناوين عريضةً للصحافة والبرامج الاستقصائية. تعرّفنا على أسماء مجهولة كانت صامتة. نعرف الآن أن عديدات منهن نجحن في محاولات الهرب، ويعشن في خوفٍ مستمر من إعادتهن إلى البلاد بالقوة. على خلاف الناشطات النسويات، لا تنتمي هؤلاء الى بيئةٍ سعوديةٍ ليبراليةٍ تسمح لهن بالنضال من أجل حقوق النساء من داخل البلاد، محمياتٍ بشبكاتٍ عائليةٍ ومواقع مهنية متقدمة، بل يتحدرن من بيئاتٍ محافظةٍ، وإن كانت ميسورة في بعض الحالات، حيث عادات التزويج بالقوة وسلطة الولي تقاليد عادية، تقبلها النساء على مضض. لا تنتمي لجين الهذلول التي شنت عائلتها حملة في الإعلام الدولي، لفضح التعذيب الذي تتعرّض له في سجنها، إلى هذه البيئة، وهي كما كثيرات من أمثالها، لم تغادر السعودية على الرغم من قدرتها على ذلك، بل اختارت محاولة التغيير من الداخل، على الرغم من
خطورة المحاولة. بقي الخطاب النسوي الداخلي وسطيا لا يحمل اتهاماتٍ للنظام، بل محاولة لتطويره تدريجا.
قدّمت الفتيات الهاربات صورة أكثر صدقا لواقع حال النساء في المملكة. لسن نسوياتٍ بالمعنى التقليدي للكلمة، إذ إنهن لسن بالضرورة معنياتٍ بتحسين أوضاع النساء في بلادهن، بل بالفرار من جحيمه. بحديثهن عن الحق في حرية الملبس والمأكل، ومنها القدرة على التنعم بالحريات البسيطة جدا، والتي تبدو غير ذات أهمية، تتحدّى هؤلاء النساء أبرز التابوهات في المملكة، وفي العالم العربي بشكل عام، أي ملكية النساء أجسامهن باعتبارها مسألة خاصة، ليست من متاع العائلة أو القبيلة. تقول إحدى الهاربات لمحطةٍ فرنسيةٍ إن أول ما قامت به في الطائرة عندما أيقنت أنها نجحت في الفرار هو نزع الحجاب، وإطلاق شعرها في الهواء. تقول إنها شعرت أنها خفيفة للمرة الأولى في حياتها. غيرها تحدثن عن احتساء الكحول أو أكل لحم الخنزير. باتت أصوات هؤلاء، في شبكة تويتر، أعلى وأكثر حنقا.
قد يكون اعتقال الناشطات النسويات وتعرضيهن للتعذيب، أخيرا، بحسب تقارير حقوقية وشهادات العائلات، مناسبةً إيجابية، على قسوتها، في تقريب المسافات الطبقية بين هؤلاء النساء، نساء الداخل ونساء الخارج، في ثورتهن ضد نظام الولاية، وفي المواجهة مع نسويات النظام في تطبيلهن الأجوف، تغنيا بالولي على مصائرهن.
فتحت عملية الهروب الناجحة للفتاة السعودية رهف القنون، الباب أمام مثيلاتٍ لها هربن من نظام الوصاية، ليصبحن مادة رائجة للإعلام الغربي، عدا عن فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء، كقصة إعادة الفتاة دينا السلوم بالقوة، مربوطة القدمين واليدين في مطار الفيليبين في طريقها إلى أستراليا. تقدم هؤلاء الهاربات صورةً مختلفة عن الناشطات الحقوقيات السعوديات. باتت الهاربات وقصصهن عناوين عريضةً للصحافة والبرامج الاستقصائية. تعرّفنا على أسماء مجهولة كانت صامتة. نعرف الآن أن عديدات منهن نجحن في محاولات الهرب، ويعشن في خوفٍ مستمر من إعادتهن إلى البلاد بالقوة. على خلاف الناشطات النسويات، لا تنتمي هؤلاء الى بيئةٍ سعوديةٍ ليبراليةٍ تسمح لهن بالنضال من أجل حقوق النساء من داخل البلاد، محمياتٍ بشبكاتٍ عائليةٍ ومواقع مهنية متقدمة، بل يتحدرن من بيئاتٍ محافظةٍ، وإن كانت ميسورة في بعض الحالات، حيث عادات التزويج بالقوة وسلطة الولي تقاليد عادية، تقبلها النساء على مضض. لا تنتمي لجين الهذلول التي شنت عائلتها حملة في الإعلام الدولي، لفضح التعذيب الذي تتعرّض له في سجنها، إلى هذه البيئة، وهي كما كثيرات من أمثالها، لم تغادر السعودية على الرغم من قدرتها على ذلك، بل اختارت محاولة التغيير من الداخل، على الرغم من
قدّمت الفتيات الهاربات صورة أكثر صدقا لواقع حال النساء في المملكة. لسن نسوياتٍ بالمعنى التقليدي للكلمة، إذ إنهن لسن بالضرورة معنياتٍ بتحسين أوضاع النساء في بلادهن، بل بالفرار من جحيمه. بحديثهن عن الحق في حرية الملبس والمأكل، ومنها القدرة على التنعم بالحريات البسيطة جدا، والتي تبدو غير ذات أهمية، تتحدّى هؤلاء النساء أبرز التابوهات في المملكة، وفي العالم العربي بشكل عام، أي ملكية النساء أجسامهن باعتبارها مسألة خاصة، ليست من متاع العائلة أو القبيلة. تقول إحدى الهاربات لمحطةٍ فرنسيةٍ إن أول ما قامت به في الطائرة عندما أيقنت أنها نجحت في الفرار هو نزع الحجاب، وإطلاق شعرها في الهواء. تقول إنها شعرت أنها خفيفة للمرة الأولى في حياتها. غيرها تحدثن عن احتساء الكحول أو أكل لحم الخنزير. باتت أصوات هؤلاء، في شبكة تويتر، أعلى وأكثر حنقا.
قد يكون اعتقال الناشطات النسويات وتعرضيهن للتعذيب، أخيرا، بحسب تقارير حقوقية وشهادات العائلات، مناسبةً إيجابية، على قسوتها، في تقريب المسافات الطبقية بين هؤلاء النساء، نساء الداخل ونساء الخارج، في ثورتهن ضد نظام الولاية، وفي المواجهة مع نسويات النظام في تطبيلهن الأجوف، تغنيا بالولي على مصائرهن.