السادة المرتشون العرب.. هنيئاً لكم

04 مايو 2016
50 مليون رشوة دفعها العرب عام 2015 (العربي الجديد)
+ الخط -

عندما يفكر مستثمر أجنبي، سواء فرد أو مؤسسة، في استثمار أمواله داخل دولة ما، فإنه يطرح على نفسه عدة أسئلة قبل اتخاذ قراره الاستثماري والبدء في الحصول على الموافقات الرسمية والتراخيص اللازمة لمشروعه.

من أبرز هذه الأسئلة: ما هي فرص الاستثمار المتاحة داخل الدولة؟ وما مدى تمتع الدولة باستقرار أمني وسياسي واجتماعي ملحوظ وحقيقي، وهل هناك آليات لتداول السلطة لضمان عدم حدوث مخاطر محتملة، وما هي درجة المخاطر الاقتصادية والمالية والسياسية داخل الدولة الجاذبة للاستثمار.

ومن بين الأسئلة التي يطرحها المستثمر أيضاً: هل هناك حرية في دخول وخروج الأموال والأرباح الرأسمالية؟ وهل هناك استقرار ملحوظ في سوق الصرف الأجنبي، أم أن هناك اضطرابات لسعر الدولار مقابل العملة المحلية؟ وهل هناك وفرة في الطاقة، وما تكلفتها من التكلفة الكلية لعناصر الإنتاج والتكلفة الاستثمارية للمشروع، وهل هناك عمالة مدربة ورخيصة داخل الدولة، وهل تتمتع الدولة ببنية تحتية قوية من شبكات طرق وكهرباء ومياه وصرف صحي واتصالات وإنترنت ومنافذ برية وبحرية وغيرها؟

ومن بين الأسئلة المهمة كذلك للمستثمر الأجنبي: ما هو معدل التضخم داخل الأسواق؟ لأن المستثمر قد يحقق أرباحاً عالية، لكنه لا يستطيع تحويلها بسبب القيود المفروضة من قبل الدولة على تحويلات النقد الأجنبي للخارج، أو أن التضخم يزيد على قيمة الأرباح التي يحققها المستثمر، وبالتالي فإن العائد يكون سلبياً.

وفى حال رغبة المستثمر الأجنبي في توجيه جزء من أمواله للاستثمار في المنطقة العربية، فإنه يزيد على الأسئلة السابقة سؤالاً جوهرياً آخر، وهو: ما هي تكلفة الفساد داخل الدولة التي استثمر أموالي بها؟


هل تكلفة الفساد عالية لا يمكن تحملها، بل وتمثل عبئاً على المستثمر، خاصة المتوسط والصغير ، أم أن التكلفة متوسطة يمكن تحملها عن طريق زيادة سعر المنتج المباع في السوق المحلي، أم ضعيفة ويمكن من خلالها تحقيق أرباح عالية، خاصة إذا ما صاحبتها حماية سياسية للمستثمر الأجنبي؟

وهناك حسبة بسيطة يعرف المستثمر الأجنبي من خلالها معرفة تكلفة الفساد داخل الدولة، وهي نسبة العمولات والسمسرة التي يحصل عليها كبار المسؤولين في الدولة لتسهيل مهام المستثمر الأجنبي مثل تخليص إجراءات تأسيس المشروع، والحصول على موافقات الوزارات والجهات المعنية في أقصر وقت، وهذه النسبة قد تصل لنحو 10% من رأسمال المشروع، علماً بأنه يضاف لهذه النسبة الرشاوى الأخرى التي يحصل عليها صغار الموظفين لتمرير الأوراق المتعلقة بالمشروع الاستثماري بسرعة.

خطورة أمر الفساد أنه لا ينحصر فقط في علاقة الدولة والمستثمرين ولا في تأثيراته على مناخ الاستثمار، بل بات يطاول حتى المواطن البسيط، والدليل ما كشفه تقرير منظمة الشفافية الدولية أمس من أن نحو ثلث سكان الدول العربية يدفعون رشى للحصول على خدمات عامة، وأن 50 مليون شخص عربي دفعوا خلال العام الماضي رشى لتحقيق أهدافهم، أي بمعدل فرد من كل ثلاثة أفراد، وأن 61% من مواطني اليمن ومصر والسودان والمغرب ولبنان والجزائر وفلسطين وتونس والأردن، يعتبرون أن الفساد ازداد انتشاراً خلال عام 2015.

والملفت في أرقام منظمة الشفافية الدولية أن الفساد زاد داخل المنطقة العربية خاصة في اليمن ومصر، رغم مرور أكثر من 5 سنوات على انطلاق ثورات الربيع العربي التي كان من أبرز مطالبها محاربة الفساد.

خطورة الفساد في المنطقة العربية هي أن الكل بات يتعايش معه، وحسبما جاء في تقرير منظمة الشفافية الدولية فإن الحكومات لم تبذل سوى جهد خجول لتطبيق القوانين المناهضة للفساد.

دلالات
المساهمون