لطالما شعرت عائلات الأسرى الفلسطينيين بالغبن، ليس فقط لأنّ أبناءها خلف القضبان، وهو بحدّ ذاته سبب كافٍ، إنّما لأنّ الزيارات محدودة جداً. وكانت أخيراً قد استبشرت خيراً بإمكانية رؤيتهم مرّتَين شهرياً، غير أنّ أملها تبدد.
كانت الفلسطينية وفاء يوسف، زوجة الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي عاهد أبو غلمة، تأمل بتنفيذ اتفاق يعيد تفعيل زيارة ذوي الأسرى الثانية لأبنائهم بسجون الاحتلال في خلال الشهر الواحد، بعدما علّقتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2016 فصار الأمر يقتصر على زيارة واحدة شهرياً. لكنّ تلك "الزيارة الثانية" التي أبدت السلطة الفلسطينية استعدادها لتحمّل تكاليفها، وصلت إلى أفق مسدود، بحسب ما أفادت به هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية "العربي الجديد"، بالتالي اضطرت الهيئة إلى إبلاغ موظفين تعاقدت معهم من أجل الزيارة، بأنّها سوف تعلّق عقودهم.
بالنسبة إلى وفاء فإنّ الزيارة الثانية في الشهر الواحد مهمّة جداً، بحسب ما تؤكد لـ"العربي الجديد"، موضحة أنّها لا تحصل إلا على تصريحَي زيارة سنوياً من قبل سلطات الاحتلال، بحجة المنع الأمني لها ولزوجها عاهد الذي يُعَدّ من قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ففي حال عودة الزيارة الثانية، سوف تتمكن مع عائلته من زيارته أربع مرّات سنوياً بدلاً من مرّتَين.
يوضح المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين ثائر شريتح لـ"العربي الجديد"، أنّ "اللجنة الدولية للصليب الأحمر أوقفت زيارة أهالي الأسرى الثانية (في الشهر الواحد) بعد يونيو/ حزيران من عام 2016، معلنة أنّ لذلك أسباباً مالية، فيما أنّ السبب الثاني هو أنّ قلّة من العائلات تشارك في الزيارة الثانية". لكنّ الأسرى وذويهم اعترضوا على ذلك القرار، لا بل أدرجت "الزيارة الثانية" كمطلب رئيسي في إضراب الكرامة في عام 2017 الذي قاده الأسير مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح. يضيف شريتح أنّه "كان للإضراب دور أساسي في إعادة طرح الزيارة الثانية. وعندما وصل الأمر إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، صدرت الموافقة على أن تكون الزيارة على نفقة السلطة الفلسطينية، خصوصاً أنّ الاحتلال ادّعى في خلال المفاوضات حول مطالب إضراب الكرامة أنّه لا علاقة له بوقف الزيارة الثانية، وبالتالي لن تكون لديه أيّ مشكلة في حال التوافق على آلية لتسييرها".
وأخيراً، أبلغت اللجنة الدولية للصليب الأحمر هيئة شؤون الأسرى والمحررين بأنّ الاحتلال رفض "الزيارة الثانية"، فأعلمت الهيئة من جهتها الأشخاص الذين وظفتهم بعقود أنّها سوف تنهي عقودهم تلك في نهاية يوليو/ تموز الجاري، علماً أنّها كانت قد تعاقدت معهم ودرّبتهم في ورش عمل منذ بداية العام الجاري من أجل تسيير أمور الزيارات. لكنّ الهيئة، بحسب ما يؤكد شريتح، "تعهّدت لهؤلاء بتجديد عقودهم في حال عادت إمكانية تنفيذ الزيارة". ويشير شريتح إلى أنّ "الاحتلال كان على علم بكل التفاصيل عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، لا سيّما عمليات التدريب التي أشرفت عليها اللجنة الدولية. وكان مطّلعاً كذلك على أسماء الطاقم الميداني الذي سوف يشرف على الرحلات، مع العلم أنّه اعترض على بعض الأسماء بحجة أنّ أصحابها أسرى محررون أو في حقّهم منع أمني، فقامت الهيئة باستبدالها بأخرى. وبعد إصدار الاحتلال تصاريح لأعضاء الطاقم، اشترط تسيير زيارات مبدئية بعدد محدود من العائلات وقد وافقت الهيئة على ذلك". ويذكر شريتح أنّ "كلفة مستحقات الطاقم منذ بداية العام الجاري وحتى اليوم تُقدّر بمائة ألف دولار أميركي، فضلاً عن التكاليف اللوجستية. ولم تبدأ هيئة شؤون الأسرى والمحررين إجراءاتها قبل وضع اتفاق بين هيئة الشؤون المدنية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاحتلال حول الزيارة، وبعد الموافقة على كل الشروط الإسرائيلية".
وهيئة شؤون الأسرى والمحررين كانت تستعد لتنظيم أولى الزيارات مع حلول منتصف أغسطس/ آب المقبل، كذلك كان ذوو الأسرى يستعدون لتلك الزيارة التي لا تستمرّ إلا 45 دقيقة. وتقول وفاء يوسف في السياق إنّ "تلك الزيارة على الرغم من أهميتها للأسير ولذويه على حدّ سواء، تُعَدّ عذاباً بالنسبة إلى ذوي الأسير، إذ إنّ عائلته تضطر إلى الخروج من المنزل عند الساعة السادسة صباحاً والانطلاق في رحلة شاقة تتخللها عمليات تفتيش متكررة". تضيف وفاء أنّه "لا يُسمح إلا بزيارة أربعة فقط من أقارب الأسير في كل مرة. وفي حالتنا، ثمّة تصريحان فقط سنوياً نظراً إلى الحجج الأمنية، وهو ما يعني أنّي أزوره في مرّة مع أولادنا فيما تزوره عائلته في المرّة الثانية. وفي حال توفّرت زيارتان في الشهر الواحد، فسوف نتمكّن جميعنا من زيارته في الشهر نفسه".
من جهتها، تتمنى فريدة القروي والدة الأسير رأفت القروي "عودة الزيارة الثانية بأسرع وقت"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أنّ "زيارة واحدة في الشهر لا تكفي، فمدّتها قصيرة وتُقسَّم على أربعة من الزائرين". تضيف أنّ "إلغاء الزيارة إجراء تعسفي في حقّ الأسرى"، مطالبة "اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالعودة إلى تحمّل مسؤولياتها في هذا السياق". تجدر الإشارة إلى أنّ زيارة العائلات الفلسطينية لأبنائها الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والتي لا تتخطّى 45 دقيقة، يتواصل في خلالها الأسير مع ذويه عبر سماعتَي هاتف من على طرفَي زجاج عازل للصوت. وفي حال تعطّلت إحدى السماعتَين، يكتفي الأسير وذووه بالنظر إلى بعضهم البعض وقد يتواصلون أحياناً عبر الإشارات.
ويتابع شريتح أنّ "مسؤولية عرقلة الزيارة الثانية في الشهر الواحد تتحمّلها أوّلاً اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إذ إنّها هي التي علّقها في البداية، وكذلك هي الوحيدة المخوّلة بالتواصل مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحلّ المسألة"، ويحذّر من أنّ "الأسرى ينوون اللجوء إلى خطوات تصعيدية في حال عدم إقرار الزيارة الثانية في خلال الفترة المقبلة، وهم على علم تام بكلّ التفاصيل". ويلفت شريتح إلى أنّ "العائلات الأكثر تضرراً من ذلك الحرمان (من الزيارة الثانية) هي العائلات الكبيرة. فتلك العائلات تضمّ سبعة أو ثمانية أفراد كحدّ وسط، بالتالي تضطر إلى تقسيم أفرادها على دفعات لزيارة أسيرها، مع العلم أنّه لا يسمح إلا بأربعة أشخاص فقط في خلال كل زيارة".