الأرقام أصدق إنباءً من الكتب والتحليلات، خلاف ما قال شاعر العرب، المتنبي، عن السيف. هي تخبر عن ما تعجز عنه الكلمات مهما بلغت من الفصاحة. الأرقام التي يتم التداول بها لا تستقر على حال، بدءاً من عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمفقودين، وصولاً إلى أعداد اللاجئين والنازحين، مروراً بالكلفة المقدرة للإعمار.
بداية، نذكر أنه لم يعد أحد يكترث بعدد الشهداء. يحدث هذا في سورية الآن كما سبق وحدث في لبنان في غضون حربه الأهلية. وما ينطبق على الشهداء من ضحايا منوعات الموت، ينطبق أيضاً على الجرحى ونزلاء السجون. منذ أن وصل رقم الضحايا إلى 300 ألف، توقف عداد الموت نظرياً عن رصد المزيد، بينما الفعلي أنه مستمر وإلى تصاعد.
لنتحدث عن حياة الأحياء. الفقر يضرب أطنابه في البلاد. بعض التقديرات تقول إن هناك حوالي 5 ملايين فقير ومليونين و965 ألف عاطل عن العمل وقرابة مليوني منزل مدمر وحوالي 9 ملايين نازح و4.5 ملايين لاجئ إلى دول الجوار وإلى ما يتيسر الوصول إليه من دول قريبة أو بعيدة.
لكن تقديرات الأسكوا أقسى مما ورد سابقاً، إذ تقول إن هناك 18 مليوناً تحت خط الفقر، بينهم 8 ملايين تحت خط الفقر الغذائي. لكن هذه الإحصاءات التي أوردتها الأسكوا قديمة بعض الشيء، إذ صدرت منذ قرابة العامين، ما يعني أن أعداداً وفئات إضافية لا بد وأن تكون قد وصلت إلى مصاف الفئات المفقرة التي تحدث عنها تقرير الوكالة الدولية هذه. يرتبط الإفقار بما آلت إليه الأجور في القطاعات بما فيها القطاع الخاص. فالخبير الاقتصادي وسيم إبراهيم ذكر أن البطالة ارتفعت في القطاع الخاص إلى 70 في المائة، أما الـ30 في المائة الباقية فقد خفضت رواتب 17 في المائة منها إلى النصف، بينما حافظت نسبة 13 في المائة فقط على ما كانت تتقاضاه.
الصورة أكثر كارثية لدى الحديث عن الفئات العاملة في قطاعات الدولة والزراعة والحرف والتجارة الصغيرة وما شابه، بفعل انسداد آفاق العمل وانهيار القيمة الشرائية لليرة السورية.
بالدخول في الأرقام التي تتناول تقدير كلفة الإعمار، نجد أنها لا تستقر على حال، وهي بالطبع على ضوء توقع تواصل المعارك سترتفع تباعاً ما دام منجل التدمير يصول ويجول طليقاً. بدأت الكلفة من 11 مليار دولار أولاً، لكنها في آخر تقدير لرئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، قفزت إلى 180 مليار دولار. وهو رقم سبق وذكره نائبه لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حافظ غانم. دراسة بريطانية تتفق مع تقديرات رئيس مكتب الأسكوا، عبد الله الدردري، من أن المبلغ الفعلي هو في حدود الـ200 مليار دولار. ويستنتج الأخير أن سورية عندما ستخرج من الحرب ستكون دولة مكبلة بالديون عاجزة عن النهوض بأكلاف إعمار يتجاوز طاقتها على الدين وسداده.
(أستاذ جامعي)
اقــرأ أيضاً
بداية، نذكر أنه لم يعد أحد يكترث بعدد الشهداء. يحدث هذا في سورية الآن كما سبق وحدث في لبنان في غضون حربه الأهلية. وما ينطبق على الشهداء من ضحايا منوعات الموت، ينطبق أيضاً على الجرحى ونزلاء السجون. منذ أن وصل رقم الضحايا إلى 300 ألف، توقف عداد الموت نظرياً عن رصد المزيد، بينما الفعلي أنه مستمر وإلى تصاعد.
لنتحدث عن حياة الأحياء. الفقر يضرب أطنابه في البلاد. بعض التقديرات تقول إن هناك حوالي 5 ملايين فقير ومليونين و965 ألف عاطل عن العمل وقرابة مليوني منزل مدمر وحوالي 9 ملايين نازح و4.5 ملايين لاجئ إلى دول الجوار وإلى ما يتيسر الوصول إليه من دول قريبة أو بعيدة.
لكن تقديرات الأسكوا أقسى مما ورد سابقاً، إذ تقول إن هناك 18 مليوناً تحت خط الفقر، بينهم 8 ملايين تحت خط الفقر الغذائي. لكن هذه الإحصاءات التي أوردتها الأسكوا قديمة بعض الشيء، إذ صدرت منذ قرابة العامين، ما يعني أن أعداداً وفئات إضافية لا بد وأن تكون قد وصلت إلى مصاف الفئات المفقرة التي تحدث عنها تقرير الوكالة الدولية هذه. يرتبط الإفقار بما آلت إليه الأجور في القطاعات بما فيها القطاع الخاص. فالخبير الاقتصادي وسيم إبراهيم ذكر أن البطالة ارتفعت في القطاع الخاص إلى 70 في المائة، أما الـ30 في المائة الباقية فقد خفضت رواتب 17 في المائة منها إلى النصف، بينما حافظت نسبة 13 في المائة فقط على ما كانت تتقاضاه.
الصورة أكثر كارثية لدى الحديث عن الفئات العاملة في قطاعات الدولة والزراعة والحرف والتجارة الصغيرة وما شابه، بفعل انسداد آفاق العمل وانهيار القيمة الشرائية لليرة السورية.
بالدخول في الأرقام التي تتناول تقدير كلفة الإعمار، نجد أنها لا تستقر على حال، وهي بالطبع على ضوء توقع تواصل المعارك سترتفع تباعاً ما دام منجل التدمير يصول ويجول طليقاً. بدأت الكلفة من 11 مليار دولار أولاً، لكنها في آخر تقدير لرئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، قفزت إلى 180 مليار دولار. وهو رقم سبق وذكره نائبه لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حافظ غانم. دراسة بريطانية تتفق مع تقديرات رئيس مكتب الأسكوا، عبد الله الدردري، من أن المبلغ الفعلي هو في حدود الـ200 مليار دولار. ويستنتج الأخير أن سورية عندما ستخرج من الحرب ستكون دولة مكبلة بالديون عاجزة عن النهوض بأكلاف إعمار يتجاوز طاقتها على الدين وسداده.
(أستاذ جامعي)