الرقص على رؤوس الغرقى

07 ديسمبر 2017
+ الخط -
في العام 1962 كسر اليمنيون حاجز الخرافة وانتقلوا من عصر الكهنوت إلى القرن العشرين. انتهت العبودية شكلا ومضمونا. وخلال ما يقارب الستة عشر عاما، استطاعوا أن يؤسسوا لدولة مدنية، رغم كل المواجهات الشرسة مع العدو الداخلي الذي لم يستسلم بسهولة، الكهنوتيين، وعدوان خارجي يدعم نظام الجهل والتخلف ويرفض أن ترى اليمن النور، وهم آل سعود، ومع ذلك فقد قاوم قلة من اليمنيين لتحقيق حلمهم ببناء دولة تعيش في التاريخ الحاضر.

في العام 1978 استلم صالح الحكم وحافظ عليه لثلاثة وثلاثين عاماً، كرئيس للجمهورية وسبعة أعوام أخرى كزعيم على أنصاره. أربعون عاما حرص خلالها صالح أن تكون الغلبة للجهل والتخلف. تدهور وضع اليمن تدريجيا منذ استلامه للحكم، وكل مظاهر المدنية، التي نحتها الثوار في قلب بلد خارج من العصور الوسطى، تلاشت تدريجياً..

ساعد الإسلاميون صالح في تحريم كل مظهر حداثي، ونشروا خرافاتهم الدينية بين الناس وكانوا يده التي تبطش باليمن واليمنيين، وتعيدهم إلى وكر الجهل والخرافة بطريقة متمدنة تتستر بالدين لا تخلو من التزييف. كفروا كل مفكر أو مثقف يخرج عن النص، الذي رسموه لليمن وكانوا كما صالح يتلقون الدعم والمرتبات الشهرية من السعودية.


عندما جاء الحوثي من كهف مران واقتحم القرى والمدن لم يجد من يقف أمامه، لقد حرص صالح ورفاقه السابقون أن يبقى كل من يعيشون في الضواحي على هامش الحياة تماما كما هو موقعهم الجغرافي. لم تبنَ مدارس ولا معاهد مهنية ولا دور سينما ولا مسرح ولا أوبرا ولا نواد ثقافية، بينما انتشرت دور تحفيظ القرآن في كل قرية وحي وحارة.

استلم الحوثي الحكم على طبق من ذهب. تستر بالدين واستدل على حقه الإلهي بآيات القرآن التي لا يعرف الكثيرون غيرها. ملايين من اليمنيين لم يدخلوا في حياتهم إلى قاعة سينما، لم يحضروا عرضا مسرحيا واحدا، لم يقرأوا غير الكتب المحددة لهم والمسموح لهم بقراءتها وما دون ذلك ستجد من يقول لك: لا تقرأ، لا تفكر، لا تسأل، لا تبحث، وسيصرخ في وجهك إن اعترضت بحجته الزائفة: حرااااام!

أربعون عاما كانت كفيلة بأن تجعل اليمن قوة لا يستهان بها، لو تم تسليح الناس بالعلم والمعرفة وسُمح لهم أن يواكبوا العصر لا أن يعيشوا في وكر التخلف. أربعون عاما وقائد السفينة يغوص بها إلى قاع المحيط بدلا من قيادتها نحو اليابسة، بينما وقف رفقاؤه/ خصومه وراءه يثقبون السفينة أو يعلمون الناس دعاء الغرق. وكل من تعلم السباحة بدا خائنا أو زنديقا.

قوارب النجاة احتضنت الرفاق والخصوم إلى جزر آمنة واليوم يطالبون من في القاع أن يحملوا السفينة وحدهم ويلقون عليهم اللوم، ويكيلون لهم أبشع الأوصاف، بل وتمادى البعض وأجاز إبادتهم.

لأربعين عاما كان الغارقون في القاع يحملون السفينة على ظهورهم، ويتحملون من يدوس على جراحهم فقط لأنهم يعتقدون أنه يقف معهم.

اليمنيون في الداخل يموتون من الجوع والخوف والوباء، عدو يلتهم حياتهم في الداخل وآخر يفجرها من الخارج. إنهم يقاومون بطريقتهم حتى لو كانت من منظور العالم كله خاطئة، يعتقدون أن العدو الخارجي يريد الإجهاز على دينهم وكرامتهم، فيقاومونه بالقبض على الجمر.

عندما أخبرهم صالح، ربان سفينتهم، أن يقفوا معاً ضد العدو الداخلي هبوا جميعهم معه، تمسكوا بآخر قشة قد تنقذهم من الغرق، لكنه ما أن ظهر في آخر لقاء ونوه من بعيد لفتح صفحة جديدة مع العدوان الخارجي، وقد فعلها أكثر من مرة، عادوا أدراجهم. لثلاث سنوات ونحن في القاع نختنق، نموت، نتحلل لنحافظ على كرامتنا أمام عدو غاشم، واليوم يريدنا أن نخوض معركته ليفتح معهم صفحة جديدة، قال العائدون من جبهات صالح.

الشباب الذين تحلقوا حول جثته لم يكونوا صنيعة يده وحده، بل ضحية أجيال من التجهيل المتعمد لصالح ورفاقه وخصومه على السواء. لقد شهدنا كيف خذلت القبائل آل الأحمر وشهدنا كيف خذلت صالح وسنشهد المزيد من الخذلان، فمن يؤسس للجهل والخراب لا يحصل إلا على وحوش تتصارع في أرض يباب.
50228739-0847-4184-9784-6EA5B34CBE16
سبأ حمزة

أم لثلاثة أشقياء ونجمة.. الكتابة ابنتي الوحيدة بين ثلاثة صبيان، يحبونها ويغارون منها.. كاتبة وأكاديمية من اليمن. درست الأدب الإنجليزي بجامعة العلوم والتكنلوجيا، وأدرس حاليا في جامعة أوترخت.

مدونات أخرى