الرقابة الدينية والسياسية: ماذا عن العنصرية؟

22 مايو 2014
الكاريكاتير الذي أثار موجة استياء في مصر
+ الخط -

في تاريخ السينما العربية ثمة أفلام كثيرة طالها مقص الرقيب بدعوى إحتوائها على مشاهد خارجة أو إباحية أو محظورات دينية وسياسية، من دون الالتفات إلى أمور أخرى أكثر مدعاة لتدخل الرقباء، لعل أكثرها فجاجة هو تلك العنصرية القبيحة ضد أصحاب البشرة السمراء.

لا تلتفت هذه الرقابة إلى تلك الروح العنصرية الفجة التي تفوح من بعض الأفلام، وهي أشد وطأة على المجتمع، وأبعد ما يكون عن الأخلاق والقيم الإنسانية، بل هي ـ إن أريد تصنيفها ـ جريمة عنصرية قبيحة بكل المقاييس. فهي تتعرض بالسخرية لأناس بسبب لون بشرتهم. وكم هو أمر مثير للدهشة والرثاء معاً أن توجه سهام العنصرية على هذا النحو في مجتمع يتميز أغلب مواطنيه بسمار البشرة ضد من هم أكثر سُمرة.

والمؤسف في الأمر أن تلك الأفلام، بما تحمله من إشارات عنصرية مباشرة وصريحة، يتم عرضها ليلا نهاراً على القنوات العربية ويشاهدها أطفالنا ومواطنونا، بل تُعامل في كثير من الأحيان على أنها مجرد مزحة. وكأن العنصرية والسخرية من الآخرين بسبب لونهم أو دينهم هي مجرد نوع من المزاح.

هكذا يتم تمرير الأمر ليصبح بديهياً.. فبدعوى المزاح دافعت قبل أسابيع قليلة إحدى فنانات الكاريكاتير في صحيفة قومية مصرية شهيرة عن نفسها على أثر تعرضها لهجوم بعد نشرها لإحدى الرسومات الكاريكاتيرية في صفحتها على الفيسبوك تسخر فيها بفجاجة من أصحاب البشرة السمراء. ونسأل أنفسنا: إذا كان ذلك الرسم قد أثار غضب بعض الناس على هذا النحو، فما بالهم لا يغضبون من عشرات المشاهد السينمائية الصادمة بعنصريتها المباشرة؟ وهي الوسيلة الأكثر تأثيراً وانتشاراً من الرسوم الكاريكاتيرية؟

تنطوي الصورة النمطية لأصحاب البشرة السمراء في السينما المصرية على عنصرية مبطنة، بحصرهم في أدوار الخدم والتابعين، أو الكومبارس المثير للضحك بلهجته وكلماته غير المفهومة. غير أن تلك العنصرية المبطنة التي كانت تظهر ويُفهم مغزاها عن طريق المَشَاهِد المُوحية، تحولت في أفلام عدة ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة أو ما قبلها إلى شيء آخر لا يمكن وصفه إلا بالوقاحة السافرة، ولا يعقل أن يمر على رقيب أو شخص سَويّ من دون أن يشعر بالاشمئزاز.

الاشمئزاز هو أبسط ما يمكن أن يوصف به ذلك المشهد المهين في فيلم "اللي بالي بالك" (2003) ـ على سبيل المثال ـ وأدّى دور البطولة فيه محمد سعد. في هذا الفيلم ينظر البطل إلى زوجته مغازلاً إياها بقوله: "إيه الشمس اللي منورة الدنيا دي؟" لكنه حين يفاجأ بالخادم الأسمر من خلفه يقول ممتعضاً: "إيه الليل إللي هجم ده؟"

في الفيلم نفسه يحتضن الفنان سعد ابنة الخادمة السمراء معتقداً أنها طفلته، وحين تُصحح له زوجته الأمر يدفع الطفلة بعيداً قائلاً: "صحيح أنا أبيض وإنتِ بيضا هانجيب صباع العجوة ده إزاي؟" ثم ينظر إلى الطفلة الصغيرة باشمئزاز شديد، ليستقبل بعدها ابنته ذات البشرة الفاتحة بابتهاج.. وهو مشهد يشعرنا بالخجل، وحوارٌ بالغ التدني وُضع من أجل إضحاك الجمهور، هذا الجمهور الذى تتأثر شريحة منه بالطبع بما تتلقاه على الشاشات، وتمارسه في حياتها اليومية على أنه نوع من المزاح.

هذا الفيلم هو نموذج واحد ضمن عدد كبير من الأفلام التي تنطوي على مشاهد عنصرية لا تقل تدنياً هي الأخرى. ففيلم "أفريكانو" مثلاً (2001) الذي لعب دور البطولة فيه أحمد السقا وأحمد عيد، وصُوّر جزء كبير منه فى جنوب أفريقيا، لم يخلُ هو الآخر من تلك اللهجة الساخرة من الأفارقة. ففي المشهد الذي يدخل فيه عيد والسقا إلى أحد النوادي الليلية، يمران عند باب الدخول بمجموعة من الأفارقة، فيقول عيد في خفة واستظراف: "هوه النور قاطع جوه ولا إيه؟"

ويحتوي فيلم " أيظن" (2006) من بطولة مي عز الدين وحسن حسني، على أحد المشاهد المبالغة في سطحيتها وعنصريتها. ففي سياق بحثه عن ابنته المفقودة منذ عشرين عاماً، يقود البحث بطل الفيلم الفنان حسني إلى فتاة، لكنه حين يفاجأ بلونها الأسود، يدهشنا الممثلون بكم من الانفعالات المبالغ فيها على نحو ملفت. إذ تنتابهم حالة من السخرية والخوف غير المبرر، وكأنهم أمام شبح أو وحش مفترس.

ثمة أفلام كثيرة تنطوي على مشاهد مشابهة وعلى هذا النوع من الانفعالات الزائفة والدالة في نفس الوقت على مدى السطحية والإسفاف اللذين تعالج بهما الكوميديا. ففي فيلم "عيال حبيبة" (2005) الذي أدّى بطولته حمادة هلال وغادة عادل، موقف مشابه يسخر فيه البطل وأصدقاؤه من جارهم الأسمر فينعتونه بذي الرائحة الكريهة.

وفي فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" (1998) الذي أدّى بطولته محمد هنيدي وأحمد السقا وطارق لطفي ومنى زكي، هناك وصلات من السخرية العنصرية الموجهة لفتاة الليل السمراء التي آوت البطل ولم تسلم من عنصريته. ولم يكتف المخرج بذلك بل طعّم فيلمه أيضاً بأغنية أداها هنيدي بسذاجة وامتلأت بالكثير من الكلمات والجمل العنصرية.

هذه مجرد نماذج لعدد كبير من الأفلام التي تحتوي مشاهد عنصرية فجة ومباشرة. ونسأل أنفسنا مرة أخرى: ألم تكن هذه المشاهد المخجلة في أفلامنا السينمائية أدعى للاستهجان والرفض فى مجتمعاتنا، وأولى بالاهتمام من قبل أجهزة الرقابة السلطوية؟ هذه الرقابة التي تتحفنا دائماً بمزايداتها فيما يخص المحافظة على الأخلاق والقيم ولا تشغل بالها سوى بقياس المساحات العارية التي تظهر من أجساد النساء، وبتلك الألفاظ والإشارات المسيئة للسلطة، والمكدرة ـ من وجهة نظرها الفوقية ـ للأمن والسلم الأهلي.


* صحافي وناقد فنّي من مصر

المساهمون