الرعب يحاصر ألمانيا: المواطنون والحكومة واللاجئون يخشون الأسوأ

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
27 يوليو 2016
D9320295-939B-4DCE-A280-C3089C475B8E
+ الخط -
في شهر سبتمبر/ أيلول 2015 كان اللاجئون في محيط المحطة المركزية في العاصمة المجرية بودابست، يمتدحون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لجرأتها على "السباحة ضد التيار" في قضية عدم إغلاق الحدود الأوروبية أمامهم. أما الآن فتنتشر حالة قلق وعدم يقين بين هؤلاء اللاجئين من السياسات المستقبلية لألمانيا، وبعضهم بات يخشى من تشديد القوانين وصرامة في التعامل معهم ومع قضايا اللجوء ولمّ الشمل لأسرهم. من جهتها، تبدو الحكومة الألمانية أكثر قلقاً على سفينتها من رياح تهب دافعة بأشرعة اليمين المتطرف ليسحب البساط الشعبي من تحتها في انتخابات العام المقبل وسط ضغوط غير مسبوقة تتعرض لها. وعلى وقع توالي الأنباء عن حوادث أمنية، ألغى معظم الساسة الألمان إجازاتهم الصيفية، وهم يتخوفون من أن ما شهدته البلاد "ليس سوى بداية لعمليات أخرى"، وهي التحذيرات ذاتها التي سبقت أحداث الأسبوع الماضي، حيث توقع هؤلاء تعرض بلدهم لهجمات بعد ما حصل في فرنسا.

هجمات تقلب المشهد
خلال أقل من أسبوع، وبعد أقل من عام على استقبال البلاد لحوالي مليون طالب لجوء، تعرضت ألمانيا لسلسلة من الأحداث التي أعادت الصورة إلى ما قبل مشهد استقبال طالبي اللجوء في المحطات الألمانية، وخصوصاً فرانكفورت.
أربعة هجمات قلبت المشهد رأساً على عقب. ففي الثامن عشر من يوليو/ تموز الحالي كان هجوم "البلطة/ الفأس" على ركاب قطار في فورسبورغ على يد مراهق أفغاني، حضر إلى البلد عبر المسار ذاته الذي لم تستجب ميركل لمطالب داخلية وخارجية بإغلاقه في وجه طالبي اللجوء.
لم تمضِ أيام قليلة حتى وقع هجوم ميونخ في 22 من الشهر الجاري على يد ألماني - إيراني، ثار جدل حول دوافعه. تنفس الألمان الصعداء بأنه لم يكن "إرهابياً". بعد يومين لم يسعفهم حادث "الساطور"، في 24 يوليو/ تموز، كثيراً، لتتراكم وتنفجر النقاشات، وخصوصاً أن التفجير الذي أعقبه بعد ساعات انفجار بالقرب من مهرجان موسيقي يعج بآلاف المدنيين في مدينة أنسباخ جاء ليشكل انعطافة إضافية في المشهد.

يومي الاثنين والثلاثاء، وعلى وقع الأحداث المتتالية، بدأت الصحف الألمانية تنقل معالم نقاش مختلف في ألمانيا عن سياسات الهجرة والأمن، ونقد لاذع للسياسات الرسمية.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وبحسب وكالة الأنباء الألمانية "دي بي آيه"، عاشت البلاد على وقع حالة تأهب أمني، تلقت خلاله الشرطة 410 إنذارات عن "احتمال ارتكاب أعمال إرهابية من قبل لاجئين". وعلى الرغم من كل المحاولات السياسية في تطمين الشارع الألماني، والتخفيف من وطأة الإشارة إلى اللاجئين، والطلب بعدم التعميم، إلا أن الأرقام الثقيلة للضحايا والمحتمل سقوطهم، مع إشاعة حالة من الخوف والريبة، أفقدت على ما يبدو السياسيين السيطرة على حقائق كشفتها الشرطة الاتحادية. وأفادت الأخيرة بأنه "إذا ما أخذنا التدفق نحو ألمانيا، فإننا نرى بأن أعضاء سابقين أو متعاطفين مع منظمات إرهابية وإسلامية متشددة هم بين اللاجئين".
عززت الاعتداءات الأخيرة، وخصوصاً كون مخططي ومنفذي أكثرها من بين مقدمي طلبات اللجوء، نظرية أشاعها ساسة من أوروبا الشرقية، وأحزاب يمينية ومعادية للاجئين والمهاجرين، عن ضرورة رفض استقبالهم "لأنهم يشكلون خطراً إرهابياً"، كما ادعى دوماً رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.


نقاش حول سياسة الهجرة واللجوء

أمام هذه الوقائع، تجد المستشارة الألمانية نفسها اليوم في مواجهة تيار جارف من النقاش حول سياسة الهجرة واللجوء والدمج وترحيل المرفوضين، بعدما حاولت، ومعها تحالفها المسيحي والاجتماعي الديمقراطي، الحد من دعوات اليمين المتشدد.
على الرغم من عدم وجود ترابط بين الأحداث التي حصلت في الأسبوع الأخير، إلا أن الأجواء في ألمانيا، سواء ارتبطت الاعتداءات بعمل فردي أم إرهابي، مشبعة بالحديث عن "الإرهاب"، وخصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي والصحف في عدد من الولايات.
ولا يختلف اثنان، ليس فقط في ألمانيا، من المتابعين لما يجري، بأن "الفوائد الجمة تعود على حزب البديل لأجل ألمانيا"، الذي يجد نفسه اليوم أمام "صيد ثمين" لتسويق مواقفه العنصرية وتبرير خطابه الشعبوي المعارض لسياسات ميركل، ولا سيما أن ألمانيا تتحضر لانتخابات مقبلة.
يجد اليمين الشعبوي، وخصوصاً "البديل لألمانيا"، في الأحداث الأخيرة فرصته لتوجيه سهامه ضد ميركل. ففي سكسونيا هايدناو، بدأت حملة من قبل أنصار الحزب، وفق ما تنقل دير شبيغل، يوم أمس الثلاثاء، موجهة ضد المستشارة الألمانية واللاجئين، على حد سواء. ويركز القائمون على الحملة معارضتهم على أن "ثلاثة من المهاجمين بما يسمى أعمالاً فردية وفق وزير الداخلية توماس ديميزير، هم من اللاجئين".

اليسار الألماني، وعلى لسان ساره فاغينكنيخت، من حزب "دي لينكه"، (المتهمة بتبني سياسة غير يسارية بعد انتقادها بشكل عنيف المهاجرين إثر أحداث رأس السنة في كولونيا)، وجهت انتقاداتها لسياسة ميركل باعتبار "الأحداث الأخيرة أظهرت بأن ألمانيا لا تستطيع استقبال كل تلك الأعداد وتجري عميلة دمج لهم". وشددت على أنه يتعيّن "على الدولة أن تقوم بكل ما يمكنها لطمأنة الناس في البلاد. وهذا يتطلب معرفة من هم في بلدنا، ما هي المخاطر. لقد حذرنا ميركل بشأن سياستها غير الجادة في الخريف الماضي".
ووفقاً لموقع صحيفة "سودوتشه"، فإن المستشارة الألمانية تتعرض اليوم لضغوط غير مسبوقة، من اليمين واليسار على حد سواء. حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، الشقيق للحزب الديمقراطي المسيحي، يرفع صوته تعبيراً عن رفض بافاريا لسياسات الهجرة المتبعة.

أصوات تدافع عن اللاجئين
في مقابل ذلك، يرفض ساسة آخرون الربط بين اللاجئين وأعمال العنف التي وقعت، ويعتبرها أيدان أزوغوز، مفوّض الدمج من "الاجتماعي الديمقراطي"، بأنها "سخيفة، ولا يمكن الربط بين أعمال فردية ومجموع اللاجئين". كما يذكّر زعيم حزب الخضر، أنتون هوفرايتر، بضرورة "عدم الانجرار إلى استنتاجات متسرعة". ويعقب على استغلال اليمين الشعبوي للتطورات بالقول إن "هذا اليمين الشعبوي يبحث دائماً عن العنف للكسب في السياسة".
ومن داخل حزب اليسار تعلو أصوات تخالف زعيمته فاغينكنيخت، فقد قال البرلماني يان كورته إن "هذه الأعمال لا علاقة لها باللاجئين، فـ99.99 في المائة يأتون إلينا لأنهم فروا من العنف". وينتقد كورته "حملة الكراهية والتحريض التي بدأت في جنوب ألمانيا".
ويخشى أيضاً ساسة من الاجتماعي الديمقراطي، مثل كريستيان فليسيك، من أن "المخاطر لم تقل بتصاعد الانقسام وأصوات اليمين الشعبوي. ومن الأهمية بمكان أن يبقى مجتمعنا منفتحاً".
في المقابل، لا يختلف السياسيون بأن "الأمن القوي يستطع مواجهة الإرهاب وليس المواقف المناهضة للاجئين". وعلى الرغم من محاولات الحكومة طمأنة مواطنيها والدعوة لعدم التعميم، تتصاعد الأصوات المطالبة بتوضيحات عن بطء إبعاد 200 ألف شخص رفضت طلبات لجوئهم. وقد خرج الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا بموقف حاد جداً عندما اعتبر أنه يتعيّن "على ألمانيا أن تقوم بفحص خلفية وتوجهات كل طالب لجوء".




صدمة وخوف بين طالبي اللجوء/ اللاجئين

عندما أعلن وزير داخلية بافاريا، يواكيم هيرمان، عن ارتباط منفذ هجوم أنسباخ بتنظيم "داعش" وتبني الأخير للهجوم الذي نفذه لاجئ سوري على قوائم الترحيل بذريعة "الانتقام من ألمانيا"، أصيب الآلاف من طالبي اللجوء/ اللاجئين بصدمة وخوف من التغييرات التي يمكن أن تطرأ على حياتهم، بعدما هرب معظمهم من جحيم الحرب في سورية.

ويبدو أن إعلان هيرمان جاء بالتزامن مع تنامي مشاعر كثيرين بأن "كل هجوم مرتبط بالإرهاب"، بحسب ما تشير الصحف ومواقع التواصل نقلاً عن الألمان المتخوفين والمتوجسين الآن من اللاجئين.
ويرى كثر أن "قنبلة وضعت تحت سياسة اللجوء الألمانية"، وخصوصاً أن ألمانيا كانت تتوقع، في فبراير/ شباط الماضي، أن تستقبل 3.6 ملايين طالب لجوء حتى 2020.
وتشبه الضغوط الذي يفرضها الواقع على السياسة الألمانية إلى حد بعيد تلك التي أثيرت في السويد، البلد الثاني عدداً بعد ألمانيا لجهة استقبال اللاجئين، وتحديداً حول الأمور اللوجستية المرتبطة بسياسة الدمج وتوطين تلك الأعداد الكبيرة. وهو السياق الذي أشارت إليه زعيمة حزب دي لينكه اليساري في انتقادها لسياسة ميركل ومقولتها "نحن مستعدون".
في المقابل، يشعر حزب "البديل لأجل ألمانيا" بأن الرياح باتت "كما تشتهي سفنه"، بعد التركيز الكبير على العنف الذي شهدته البلاد في أسبوع، أكثر بكثير مما لو تعلق الأمر بهجوم مراهق على مدرسة أدت لمقتل وإصابة العشرات.
هجومه على المستشارة الألمانية منذ ما قبل توضّح طبيعة ودوافع الهجوم الأول إلى أن تبنى "داعش" الهجوم الأخير والذي يعتقد أمنيون بأنه لن يكون الأخير، هو "عملية استثمار شعبوية"، كما يصفها بعض المعلقين الألمان والأوروبيين.
في بيان صحافي، يذكُر "البديل"، في معرض تعاطيه مع الأحداث يوم الاثنين الماضي، مفردات تتجاوز اللاجئين. يتحدث الحزب عن أن تلك الأحداث "ناجمة عن التعددية الثقافية والحدود المفتوحة". ويصف سياسة ميركل للجوء بأنها "الخطر الأكبر ضد ألمانيا منذ انتهاء الحرب الباردة".
البروفيسور في التاريخ الأوروبي بكلية الأعمال الدولية في كوبنهاغن سي بي أس، أوفه أوسترغوورد، يرى في ذلك الخطاب "مخاطر الانزلاق نحو صدام عنيف بين مكونات ومجموعات في ألمانيا". ويحذر من أن "الأمر ليس سهلاً، وقد يؤدي بنا نحو حرب أهلية". ووفقاً لأوسترغوورد، "صحيح بأن الأعمال الأخيرة لا ترابط بينها، لكن منفذيها هم شرق أوسطيون، وهو ما سيخلق اشتباهاً كبيراً، عندها سينتشر الخوف بين الشعب". ويرى أوسترغوورد أن "المستفيد الأكبر هو حزب البديل وحركة بيغيدا المعادية للأجانب، وهم يستفيدون من ردود أفعال متحفظة وعقلانية عند الساسة الألمان، على عكس الفرنسيين الذين كانت ردود أفعالهم قوية وعينهم على اليمين المتطرف. فالألمان تعاطوا بدون تهويل في المواقف، بينما الفرنسيون اتجهوا نحو عسكرة المجتمع بمناشدات علنية حول الأمر".
الدعوات التي ينادي بها قادة الأحزاب، كالاتحاد الاجتماعي المسيحي، على لسان أندرياس شيوير، تتسم بمطالب تسريع ترحيل طالبي اللجوء، وتشديد المراقبة على من يعتقد بأنه متشدد.
وبينما الجدل المهيمن، على كل المستويات السياسية، في برلين الآن، ولأيام وأسابيع مقبلة كما يتوقع معظم المتابعين، يدور حول سياسة اللجوء، تحرص الحكومة الاتحادية على إرسال خطاب واضح مفاده: لا تخلطوا بين الأعمال الفردية وسياسة اللجوء منذ النصف الثاني للعام الماضي. لكن هذا الخطاب لا يمنع كثراً، بينهم فلوريان هان، من الحزب "الاجتماعي المسيحي"، من القول "ليس لديّ شك بأن هجوم أنسباخ الأخير يشير إلى عدم قدرتنا على استقبال مئات الآلاف في سنة واحدة".
ما يتضح من النقاش الدائر، سواء في العاصمة برلين أو الولايات الأخرى، وخصوصاً الجنوبية التي تلقت أكثر الهجمات، يؤشر إلى أن سيناريوهات عدة كانت متوقعة من ميركل وحكومتها. ولعل أقربها اعتمد على الخوف من المنافسين بعد العنف الأخير وتأثيره على مزاج الشارع. وما جرى بشكل متتابع هو أسوأ الكوابيس التي فكر بها الائتلاف الحاكم، وتحققه اليوم سيعيد الحسابات. وعلى الرغم من محاولات التمييز بين كل عمل عنفي وقراءته بشكل منفصل، فإن برلين تحت ضغط كبير، وخصوصاً في مسألة الترحيل للأشخاص الذين رفضت طلبات لجوئهم.

ذات صلة

الصورة
تواصل الاحتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام"، 31/5/2024 (العربي الجديد)

سياسة

شهدت مدن وبلدات في أرياف محافظتي إدلب وحلب الواقعة ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام احتجاجات ضد زعيمها أبو محمد الجولاني وجهازها الأمني
الصورة

سياسة

مُنع وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس من دخول ألمانيا لحضور مؤتمر مؤيد للفلسطينيين في برلين
الصورة
مظاهرة في برلين بعد منع مؤتمر فلسطين 13 إبريل 2024

سياسة

خرجت مظاهرة، ظهر السبت، في برلين احتجاجاً على قيام الشرطة الألمانيّة بمنع انعقاد مؤتمر فلسطين، أمس الجمعة، إضافة لمنع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة
الصورة

منوعات

أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون في جنوب غربي ألمانيا، فصل المذيعة هيلين فارس من عملها بسبب دعوتها إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.
المساهمون