الرصاصة التي لا تخجل

28 اغسطس 2016
من سلسلة "حيث تسكن الأرواح"، ليلى الشوّا، 2012
+ الخط -

يسهو القمر في شارعنا، ينسى قدمه، ما من أحد يتعثّر بها، وحيدةً الكلاب وبعد انتصاف الليل تتقاسم الأشلاء، الجميع غير راضٍ بقسمته، وليس بمقدورهم ترك الأشلاء كما هي، لذلك، خائبة ينطفئ نباحها مع خشخشة الأكياس.
لا يُغيظني نباح الكلاب، ربمّا هي الحقيقة الأنصع الآن والعالم غارقٌ في هذي العتمة. عندئذٍ لا أؤمن بالشوارع ولا هيَ تؤمن بشيء.
الأبنية أيضاً تُفرِغ عبر المزاريبِ اللوثات التي بداخلها نحو الخارج، حيث الحياة الخرساء. لصق كل دارٍ ثمّة حلم يشكو ارتفاع الجدران، وحدها النوافذ تبتسم في وجه العصافير التي تستطيع بمفردها الوصول للعلو.
أطفال الحي بمشاكساتهم كانوا يبسطون العلو على وجه الأرض، بالثقة كلّها يحوّلون أي شيء إلى لعب ويسهون عن اللعب. بعريها، الشوارع كانت تحطّم أفئدة الأطفال، وحدها الكلاب في أحضان الشوارع تلفت الانتباه.
الشوارع والأطفال توائمُ وأعداءُ أيضاً!! لا أحد منهما يكفي حلم الآخر. 

***

ألوان الرصاصات في وطني مختلفة، كل رصاصة لا تهب ذات المعنى، رصاصة كفيفة، صامتة، أو تصرخ، ورصاصة أخرى تقتل كلّ شيء..
الرصاصة فكرة الوجود، الرصاصة فكرة الحماية والرصاصة أيضاً فكرة العدم!!
المدن كالأحلام تنساب على وجه العصافير، والدروب مستلقيةً تُطحَن خطاياها، لا أحد يودّ الإصغاء للمدن أو رؤية العصافير أمام النوافذ، والسوادُ الذي على الأصابع يفتك جمال الفراشات التي تجول في صمت المدينة.
***

الرصاصات التي يسفكون بها أرواحنا يصنعون منها أطواقاً لأعناقنا وفي الأسواق تُباع..
ليست عمياء، الهواء يُعمي الرصاصة.. فقط اللحم يُشفي غليلها
كانت ستبدو أشدَّ جمالاً لو أنها تتريّث قليلاً...
الرصاصةُ ذاكرةٌ، حِسّ، ذاكرة جسد، أحياناً تقتل نفسها كذلك...
لا تخجل من أحد... هي والحقيقة صنوان آنَ القتل...
في وطني.. الرصاصةُ قلم الساسة...
موسيقى أيضاً!! لكن ليس كل من ودّ يستطيعُ أن يصيخَ السمع...
***

القَنَّاص

يحصُل أن تكون جميلاً..
يحصل أن تكونَ صامتاً....
يحصل أن نظراتك حادّة...
يحصل أن عينيك جميلتان...
لا تنس أيضاً أن كلّ هذا الجمال يقتلني...

***
الآن بمقدوري حمل أحلامي..
الآن بِتُّ قادراً على مغادرة هذا المكان..
أغسل يديَّ من بقع الفراغ والبياض..
لكن...
كيف لنا أن نقتفي أثراً ما وخطواتنا تُخطئ طريق البيت؟



*شاعر وصحافي سوري كردي وُلد في القامشلي (1984)، يكتب بالعربية والكردية، له مجموعة صادرة بالعربية بعنوان "انظر إليها كم أنت مُرهق".
** ترجمَ النص عن الكردية جوان تتر


المساهمون