الرسم... وسيلة للفهم

20 ديسمبر 2017
رسم الأطفال يساعد في الكشف عن شخصياتهم(Getty)
+ الخط -
كثيرا ما يمسك صغارنا بألوانهم ليدونوا رسوماتهم التي قد تبدو لنا خطوطاً ودوائر متقاطعة على الجدران والورق، لكنّ ما لا نعيه نحن كأولياء أمور أن لرسوماتهم تلك أبعاداً نفسية أعمق من أن تكون مجرد رسومات طفولية عشوائية. 

هذا ما اكتشفته بعد أن اشتركت منذ أيام مع أحد أبنائي في ورشة عمل للرسم ليوم واحد، وكان شرط معدّة الورشة (وهي متخصصة في الفنون الجميلة) أن كل فريق مكون من الأم وطفلها فقط، وعليهما أن يعملا معا على إتمام لوحة فنية واحدة، والحقيقة أن تلك التجربة بقدر ما هي ممتعة بقدر ما اكتشفت من خلالها تلك المساحة الواسعة بيني وبين أبنائي في اللعب، فمع مهامي اليومية انشغلت عنهم وعن ممارسة ألعاب مثل الرسم معاً، وربما كنت آخذ هذا الأمر باستخفاف.

استمتعت كثيرا بمشاركة ابني الرسم على لوحة واحدة، فقد وجدت فيه التسامح الذي ظهر في سماحه لي بتعديل أحد عناصر رسمته، ووجد هو فيّ من الطفولة ما تدفعنا للاستمتاع بخلافاتنا الطفولية، حينما أراد كل منا أن يمسك باللون البرتقالي في نفس الوقت، وكيف حللنا المشكلة وكيف اتفقنا أن نتبادله فيما بيننا.

المفاجأة لم تكن في اكتشافنا لأنفسنا سويا بتجربة بسيطة وممتعة، وإنما اكتملت مفاجأتي في كلمات مديرة الورشة التي فاجأتني حينما شكرتها على التجربة، فأكدت لي أن الرسم يستخدم في التحليل والعلاج النفسي للأطفال. وأن كل خط يخطه الأطفال في اللوحة له معنى، ليس فقط بلون قلمه بل بقياس حجم ضغطة أنامله على القلم والورق، فوجئت بأن المختص يستطيع أن يصل إلى شعور صغارنا الداخلي والتعرف إلى مشكلاتهم وأحلامهم، ميولهم واتجاهاتهم، خوفهم وحبهم، علاقتهم بوالديهم وأخوتهم ومدرستهم من خلال الرسم، وهو منهج يستخدم في العلاج النفسي في عدد من العيادات النفسية لأن الصغار ليست لديهم القدرة على التعبير بالكلام كالكبار، لذلك كان الرسم هو أنجح وأصدق وسيلة تناسبهم للتعبير عما بداخلهم.

علمت منها أنه يستخدم كنوع من التفريغ النفسي أيضا ثم وسيلة لتغيير الاتجاهات، فالطفلة المتعرضة للتحرش مثلا من شخص ما تستطيع أن تدلي بمعلومات كثيرة عن المتحرش مثل السن، الحجم، طريقة التحرش من خلال الرسم، وربما كانت رسمة طفل تدل على تعرضه للضرب حينما يرسم والده بدون يدين مثلا.

وكأم طلبت من صاحبة الورشة أن تمنحني بعض النصائح التي تساعد أطفالي في التعبير عن أنفسهم بالرسم، فذكرت التالي:

• أن أسمح لهم بترك مساحة رحبة للتعبير عن أنفسهم إما بالحديث أو التقليد أو الرسم.
• أن أترك لهم حرية التعبير بالرسم وحرية اختيار الألوان ونوعها دون تدخل مني بالتوجيه أو التعديل.
• أن أهتم بفحص رسومات صغاري لأنها قد تعكس مفاهيم خاطئة متكونة لديهم ويجب علي تصحيحها.
• يمنع منعا باتا الاستهانة أو الاستهزاء برسوماتهم، بل لا بد من التعبير عن الفخر والانبهار وإشعارهم بأنها رسومات جديرة بالملاحظة والاهتمام، لأن ذلك يدفعهم على المزيد من التعبير عن دواخلهم.
• لا بد أن يتابع الوالدان رسومات الأطفال، لأنها تعبر عن قدر نضجهم العقلي والنفسي.
• نصحتني بقراءة القصص أو روايتها بارتجال، لأنها تنمي خيال الطفل وتمنحه فرصة للتفكير.
• تقبل رسومات الأطفال بشكل رحب حين يظهر فيها إساءة أو تشويه لأحد الوالدين، حتى لا يصل للطفل بشكل غير مباشر ضرورة كبت مشاعره وتكميم عفويته، فيضطر لرسم ما يرضي والديه ( كرشوة نفسية) وليس ما يشعر به بداخله.
• ضرورة تشجيع أطفالنا على التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم، بل والإثابة عليها أيضا.
المساهمون