08 نوفمبر 2024
الراقصون على جُثَّةٍ سورية
وحشية النظام السوري وداعميه الروسي والإيراني، ومن يدور في فلكهم، ليست أمراً جديداً، ونحن نراها اليوم واقعاً، مرة أخرى في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والتي تتعرّض لقصف همجي قتل وجرح مئات من أبنائها، وذلك بعد حصار لئيم استمر سنواتٍ عجاف. أيضاً، ليس النفاق الدولي في سورية أمراً جديداً منذ انطلقت ثورة شعبها عام 2011، لا لشيء إلا كي يحيا حراً كريماً، فكانت النتيجة أن سُحق بالطائرات والصواريخ والمدفعيات، بل حتى بالغاز السام، في حين يكتفي العالم بالتنديد بـ"جرائم ضد الإنسانية" من دون فعل حقيقي لوقفها. وإذا ما أخذنا بالتجارب السابقة التي خبرها الشعب السوري في السنوات السبع الأخيرة، فإن موجة التنديد الدولية، وفي مقدمتها الأميركية والغربية، بما يجري للغوطة الشرقية وقاطنيها الثلاثمائة وخمسين ألف نسمة، لن تفضي إلى وقفها، بقدر ما أنه سيتم الالتفاف عليها، عبر اتفاقات غبن تقوم على إخراج المعارضة المسلحة منها، وإجلاء نسبةٍ كبيرةٍ من سكانها، تماماً كما جرى في حلب أواخر عام 2016، وكما يتم الإعداد له في إدلب اليوم. هذا هو حصاد الوحشية والنفاق الغربي والروسي والإيراني، دع العربيَّ جانباً الآن. فما العرب إلا بيدق يتبعون قوى كبرى أخرى توجه بوصلتهم.
المفارقة أن نفاق الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، وروسيا وإيران، يتجاوز الممارسة إلى المزاودة على بعضهم بعضاً، أيهم أكثر نفاقاً وكذباً، بل وقل إجراماً. إلى اليوم، لم نسمع موقفاً
أميركياً أو غربياً حازماً، ولو من باب ذرِّ الرماد في العيون، مما يجري من مذابح في الغوطة الشرقية. الولايات المتحدة مشغولة بتثبيت نفوذها عند حقول النفط والغاز السورية في ديرالزور والرقة والحسكة. وهي، قبل أسابيع قليلة، قصفت قوات موالية لبشار الأسد، كان فيها مرتزقة روس، تقدموا نحو دير الزور، وهاجمت، كما قالت واشنطن، حلفاءها في قيادة قوات سورية الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد. النكتة الأكثر سماجةً أن يتهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قبل أيام قليلة، الولايات المتحدة بأنها قوة احتلال في سورية، في حين يدافع عن وجود قوات بلاده، وطبعاً القوات الروسية في سورية، على أساس أن النظام السوري "الشرعي" هو من استدعاها! أي نفاق هذا! هو لم يستدعها لدفع عدوانٍ أجنبيٍّ على سورية، وإنما لإعانة نظامه الهمجي على قتل شعبه الذي ثار عليه.
قبل أيام من تصريحات ظريف، طالب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من عمّان، إيران بسحب جنودها والمليشيات التي تدعمها من الأراضي السورية. وفي سبتمبر/ أيلول 2016 اتهمت الولايات المتحدة روسيا بأنها تقوم بأعمال "وحشية" في سورية، وبأنها تحتمي وراء حق النقض الذي تمتلكه في مجلس الأمن الدولي، وكأن الولايات المتحدة لا تفعل الأمر نفسه، وما غزوها العراق وتدميره إلا نقطة صغيرة في بحر سوء أفعالها. ولكن لعبة الباب الدَّوارِ لا تتوقف عند حدٍّ، فروسيا تعرف أيضاً كيف ترد. ها هو وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، يحذّر قبل أيام أميركا من اللعب بالنار، ويتهمها بمحاولة تقسيم سورية، عبر دعمها المقاتلين الأكراد في الشمال. المفارقة الثانية، في هذا السياق، أن يدعو لافروف واشنطن إلى الالتزام باتفاق خفض التصعيد جنوبي سورية. وحسب تعريفه، فإن الالتزام بالاتفاق يكون بتسليم الجنوب لقوات النظام. يبدو أن هذا هو تماماً الفهم الذي يحرّك روسيا وإيران ونظام الأسد في الغوطة الشرقية.
لقد تحولت سورية إلى كعكةٍ تتنافس الأيادي على تقاسمها، والظفر بأحسن ما فيها. أيضاً،
تحولت سورية إلى ساحة حرب إقليمية ودولية، وهي كذلك ساحة حرب بالوكالة. لم يعد القرار قرار النظام، ولا هو قرار المعارضة. كلهم مرتهنون لمصالح وأجندات خارجية. سورية اليوم ممزقة إلى مناطق نفوذٍ روسية وأميركية وإيرانية وتركية وإسرائيلية. وحدهم السوريون أصبحوا غرباء في وطنهم. إنها لعبة شطرنج، إقليمية ودولية، على الجثة السورية، يكسب الكل فيها شيئاً إلا أبناؤها وأهلها. هذا ما جناه نظام الأسد على سورية والسوريين.
كنت أتمنّى أن أختم هذه المقالة برسالة أمل، بالحديث عن ضوء في نهاية النفق، لكن الوقائع تكذب ذلك. لقد انتهى الحال بكثيرين منَّا أن يفرح حين تضرب إسرائيل قوات النظام أو إيران أو مليشياتهما في سورية. ويفرح آخرون حين تُسقط دفاعات النظام الجوية طائرة إسرائيلية معتدية، دمرت بعض قواعد النظام وإيران التي تمارس القتل في حق السوريين. وطرف ثالث يؤيد دخول تركيا إلى الشمال السوري، ورابع يفرح بأي خسائر تلحق بها هناك. وخامس يتمنى صراعاً أميركياً - روسياً على الأرض السورية. وهكذا دواليك. ولكن، ومن أسفٍ، ما عاد أحد يتحدّث عن انتصار إرادة الشعب السوري، أو حتى عن إحلال السلام في سورية، فذلك أمرٌ مؤجل، ولا يعلم متى يأتي إلا رَبُّ العزة جَلَّ وعلا.
المفارقة أن نفاق الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، وروسيا وإيران، يتجاوز الممارسة إلى المزاودة على بعضهم بعضاً، أيهم أكثر نفاقاً وكذباً، بل وقل إجراماً. إلى اليوم، لم نسمع موقفاً
قبل أيام من تصريحات ظريف، طالب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من عمّان، إيران بسحب جنودها والمليشيات التي تدعمها من الأراضي السورية. وفي سبتمبر/ أيلول 2016 اتهمت الولايات المتحدة روسيا بأنها تقوم بأعمال "وحشية" في سورية، وبأنها تحتمي وراء حق النقض الذي تمتلكه في مجلس الأمن الدولي، وكأن الولايات المتحدة لا تفعل الأمر نفسه، وما غزوها العراق وتدميره إلا نقطة صغيرة في بحر سوء أفعالها. ولكن لعبة الباب الدَّوارِ لا تتوقف عند حدٍّ، فروسيا تعرف أيضاً كيف ترد. ها هو وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، يحذّر قبل أيام أميركا من اللعب بالنار، ويتهمها بمحاولة تقسيم سورية، عبر دعمها المقاتلين الأكراد في الشمال. المفارقة الثانية، في هذا السياق، أن يدعو لافروف واشنطن إلى الالتزام باتفاق خفض التصعيد جنوبي سورية. وحسب تعريفه، فإن الالتزام بالاتفاق يكون بتسليم الجنوب لقوات النظام. يبدو أن هذا هو تماماً الفهم الذي يحرّك روسيا وإيران ونظام الأسد في الغوطة الشرقية.
لقد تحولت سورية إلى كعكةٍ تتنافس الأيادي على تقاسمها، والظفر بأحسن ما فيها. أيضاً،
كنت أتمنّى أن أختم هذه المقالة برسالة أمل، بالحديث عن ضوء في نهاية النفق، لكن الوقائع تكذب ذلك. لقد انتهى الحال بكثيرين منَّا أن يفرح حين تضرب إسرائيل قوات النظام أو إيران أو مليشياتهما في سورية. ويفرح آخرون حين تُسقط دفاعات النظام الجوية طائرة إسرائيلية معتدية، دمرت بعض قواعد النظام وإيران التي تمارس القتل في حق السوريين. وطرف ثالث يؤيد دخول تركيا إلى الشمال السوري، ورابع يفرح بأي خسائر تلحق بها هناك. وخامس يتمنى صراعاً أميركياً - روسياً على الأرض السورية. وهكذا دواليك. ولكن، ومن أسفٍ، ما عاد أحد يتحدّث عن انتصار إرادة الشعب السوري، أو حتى عن إحلال السلام في سورية، فذلك أمرٌ مؤجل، ولا يعلم متى يأتي إلا رَبُّ العزة جَلَّ وعلا.