"حركة السوق قلّت كثيراً، لأن المواطن التونسي يعاني بدوره مشاكل غلاء المعيشة''، هي أكثر الجمل تداولاً بين تجار الحلي والمصاغ، وأنت تتجوّل في أروقة ''سوق البركة'' الشبه خالية في العاصمة تونس.
يقول محمد الشاذلي الباهي، وهو تاجر بسوق البركة: "حركة السوق قلّت كثيراً لأن المواطن التونسي يعاني بدوره مشاكل اقتصادية. هو لا يتمكن من الضروريات حتى يصل لشراء الذهب.. في السابق كان هناك إقبال لأن التونسي يشتري الذهب ويكنزه، وكانت هناك حركة لافتة في سوق البركة. الآن الأمر اختلف كثيرا".
ويضيف: ''الحرفي يمضي وقتاً طويلاً في البحث عن اقتناء مصوغ لمناسبة الزواج، ويضطر أحيانا لأن يطلب الإعارة من أجل المناسبة ثم يعيده، وهذا أمر لم نعهده في تقاليدنا'' .
وكشف أن هناك خللاً في القوانين التي تنظم قطاع الذهب في تونس، والتي يعاني منها التجار والحرفيون أيضاً: "عندما نقتني معدات لصناعة الحلي لا نستطيع استغلالها إلا بموافقة السلطات.. في كل مرة يجب أن يحضر للورشة ممثلون عن الدولة ليؤشروا بالختم الخاص، ثم تُشمع إلى أن يتم استعمالها مرة أخرى، وهذا يشكل مضيعة للوقت وخسارة يتكبّدها المُصنّع، وفي تقديري في تونس فقط يطبّق هذا القانون".
بدوره، أوضح هيثم بالعربي، وهو حرفي في السوق، أن "تراجع الإقبال على شراء الذهب بدأ يلاحظ منذ 2001، وعرف تقلّصا كبيرا وتضرر منه الحرفيون، خاصة بعد الاعتماد الكلي على الآلات التي تُتيح تصنيع الحلي بأعداد كبيرة في وقت وجيز وبكلفة أقل، ما قطع أرزاق العديد من الحرفيين الذين هجروا المهنة".
وتحتل تونس المركز 77 عالمياً في مستوى احتياطي الذهب بـ6.8 أطان، ويحدّد نصيب كل تاجر من الحلي بـ200 غرام شهرياً.
اقرأ أيضاً: تونس تمدّد ساعات فتح الأسواق تفادياً لغضب التجار
ويقول حاتم بن يوسف، رئيس "الغرفة الوطنية لتجار المصوغ" (منظمة الأعراف)، إن "القطاع يواجه مشاكل جمة بدأت تتطور منذ 2011، حيث أن الدورة الاقتصادية عرفت تدهوراً كبيراً، ما انعكس سلبا على تجارة الذهب. فمثلا حال التجارة والسوق في 2012 أحسن بكثير ممّا هي عليه اليوم. كل سنة تسبق تكون أحسن من لاحقتها".
ووفقاً لآخر بيانات البنك المركزي التونسي، فقد بلغت نسبة التضخم خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري في تونس 5%.
وكانت الحكومة التونسية رفعت أجور موظفي القطاع العام بزيادة 50 دينارا (25 دولارا) في الراتب الشهري لحوالي 800 ألف موظف، ما سيكلفها حوالي 250 مليون دولار بعد مفاوضات مع الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، الذي يخوض مفاوضات مع "الغرفة الوطنية لتجار المصوغ" للزيادة في أجور القطاع الخاص.
وينشط في تونس حوالي 7 آلاف تاجر في المصاغ، ينال كل منهم 200 غرام من الدولة بقيمة 14 ألف دينار شهرياً، تضاف لها ضريبة سنوية يتم تحديدها وفق عمليات البيع والشراء، التي يجريها التاجر سنوياً.
ويُعلل الخبير الاقتصادي، عادل غرار، ضعف إقبال التونسي على شراء الذهب بثلاثة عوامل أساسية، أهمها تدهور المقدرة الشرائية.
وأضاف: ''العامل الأول هو تراجع الادخار بارتفاع التضخم إلى مستوى 5%، وتبعا لذلك لم نعد نستثمر في الذهب. كل مداخيل العائلة تخصص للأولويات المعيشية. ثانيا منذ عام 2011 باع عدد كبير من العائلات الليبية الكثير من الذهب في السوق التونسية بسعر أقل، والتونسي يقبل على شرائه، ما أدى إلى ضعف الإقبال على الذهب المسعّر من قبل السلطات''.
وتابع: "ثالث العوامل هو أن هناك إقبال كبير في العالم على شراء النحاس والاستثمار فيه أمام الذهب، وهي ظاهرة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة".
اقرأ أيضاً:
تونس تطالب ببرنامج إنقاذ دولي بقيمة 25 مليار دولار
تونس تمدّد ساعات فتح الأسواق تفادياً لغضب التجار