الذكاء.. الرجال أكثر عرضة بالإصابة العقلية

17 ابريل 2017
(تصوير: أندرو ريتش)
+ الخط -

يبحث العلماء منذ مئات السنين عن تعريف محددٍ للذكاء، ويوجد اليوم نظرياتٌ متعدّدة لذلك، والتي تتراوح بين "العامل الوراثي" وحتى "الذكاء المتعدّد"، ولا يبدو أن العلماء سيتّفقون على نظرية واحدة.

بشكلٍ عام، الذكاء هو مصطلح يصف القدرة على حلّ المشكلات في المواقف الجديدة من خلال فهم المشكلات وإدراكها والتفكير في الحلول المناسبة، حيث لا تلعب الخبرات السابقة أي دورٍ هنا، وإنما الاستيعاب السريع للعلاقات بين الأشياء وتركيبها، فنظرة سريعة لمشكلة ما كافية للوصول لحل سريع بدون تجربة أو تعلّم.

يتم اختبار العديد من القدرات في اختبارات الذكاء، كالقدرة على حل المسائل المعقّدة مثلًا، وتكون النتيجة عبارة عن رقم، يُرمز له بالـ IQ .


نظريتان متعارضتان
تُظهر اختبارات الذكاء الاختلافات بين العلماء على تحديد ماهية الذكاء، يعتقد بعض العلماء مثلًا أن الذكاء يعتمد على عاملٍ جينيٍ "العامل G"، ويُعتبر العالم، كارلس سبيرمان، مؤسّس هذه النظرية في عام 1923، فبعد المقارنة بين نتائج الاختبارات وجد ترابطًا إيجابيًا بين نتائج كل قسمٍ من أقسام الاختبار، فاستنتج، أن هناك رابطاً بين جميع القدرات المختلفة وهو "العامل G".

كانت نظرية سبيرمان مثيرة للجدل منذ البداية، حيث أظهرت دراساتٌ لاحقة نتائج متباينة، وبالتالي عوامل جديدة، ويرى بعض العلماء أن نظرية "العامل G" غير كافية، ويؤيّدون وجود عوامل متعدّدة غير مترابطة مسؤولة عن الذكاء.

يؤيّد العالم الأميركي، هاورد غاردنر، مفهوم "الذكاء المتعدّد"، حيث تلعب قدراتٌ متعددة ومختلفة دورًا في تشكيل الذكاء لدى الإنسان، كما أشار غاردنر إلى أنواع من الذكاء، كـ "الذكاء الحركي" الراقص، و"الذكاء الموسيقي" العازف والملحن، و"الذكاء الطبيعي" العالم.

تلعبُ مناطق الدماغ هنا دورًا مهمًا، حيث يمكن أن يعتمد الذكاء على كيفية عمل كل مكوّنات الدماغ مع بعضها بعضاً وظيفيًا وسرعة أدائها في تبادل المعلومات.


وحدة التفكير والشعور
ظهر مصطلح "الذكاء العاطفي" في الأدب لأوّل مرّة في عام 1990، وأصبح متداولًا على نطاقٍ واسع من خلال كتابٍ يحمل الاسم نفسه لدانيل غلومان.

يرى غلومان التفكير والمشاعر كوحدة واحدة، تحدد مواقف وقدرات الإنسان الفكرية، ويستطيع الذكاء العاطفي تحديد العواطف الذاتية أو غير الذاتية كالغضب والخوف وإدارتها واستخدامها.

يجري معهد ماكس بلانك للأبحاث العصبية دراسة على متطوّعين مصابين بأمراضٍ نفسية كالاكتئاب والانفصام والتوحّد حول القدرة على اكتساب الذكاء العاطفي، حيث يختلف طابعهم العاطفي عن الأشخاص الأصحّاء، فالأشخاص المصابون بانفصام الشخصية يفكّرون بدوافع وأفعال الآخرين بشكل أعلى من المعدّل المتوسّط، بينما لا يستطيع المصابون بالتوحّد أن يتعاطفوا مع أقرانهم.

يعتقد أنصار نظرية الذكاء العاطفي، أنه من الممكن في المستقبل أن يصبح الذكاء العاطفي معيارًا للنجاح إلى جانب امتلاك روح الفريق والطموح.

وبالطبع فإن الذكاء العاطفي مثله مثل اختبارات الذكاء ما زال محط اختلافٍ بين العلماء.


دور الجينات
أظهرت الدراسات على التوائم دور الوراثة في الذكاء خلال مرحلة الطفولة، حيث كلّما ازداد عمر الإنسان ازداد تأثير العوامل الخارجية البيئية عليه.

لا يتعلّق الذكاء بوجود عامل وراثي واحد مسؤول عنه، فالدماغ يستمدّ قدرته من عددٍ كبير من الجينات التي تؤثّر في بعضها بعضاً في كثير من الأحيان؛ فبعضها يقود عملية الاستقلاب في الدماغ، وبعضها الآخر يحدّد المكوّنات التشريحية للدماغ.

يبحث العلماء تأثيرات الجينات على القدرات الفكرية وأهمّها:

العدد الكبير للخلايا العصبية والذي يُحدد جينيًا.

عدد المشابك العصبية بين الخلايا العصبية، ما يزيد من سرعة النقل العصبي.

الغلاف العصبي السميك، والذي يزيد من سرعة التوصيل في الدماغ.

انخفاض الحاجة إلى الطاقة، ما يؤثّر على استمرار العمل بشكل إيجابي.

يظنّ العلماء، أن الجينات المسؤولة عن الذكاء موجودة على الصبغي الجنسي X، وتمتلك المرأة صبغيين، بينما يمتلك الرجل صبغياً واحداً، ما يعطينا تفسيرًا عن سبب معاناة الرجال من الإعاقات العقلية أكثر من النساء، فالرجال يمكن أن يصابوا بالإعاقة العقلية بسبب وجود طفرة بالمورثات المحمولة على الصبغي X، بينما النساء يمكن أن يصبن بذلك إذا وجد لديهنّ طفرة على كل صبغي.


مراقبة فعالية الدماغ أثناء التفكير
لا يزال العلماء في المراحل الأولى في البحث عن الأساس التشريحي والفيزيولوجي للذكاء، حيث يحاول العلماء عبر التصوير المقطعي مراقبة عملية التفكير، فمعدلّ استهلاك السكر في مناطق الدماغ مثلًا يُظهر الفعالية الدماغية عن طريق التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، كما يُمكن للتصوير بالرنين المغناطيسي قياس الحقول المغناطيسية في الدماغ والتي تتغيّر أثناء عملية التفكير.

تؤكّد هذه الاختبارات أن الأشخاص الأذكياء يستطيعون حفظ المعلومات بشكل أسرع، وحفظ كميات أكبر من المعلومات في الذاكرة القصيرة واسترجاعها بشكل أسرع.

تزداد عدد المشابك العصبية في أدمغة الأذكياء في فترة المراهقة، لذلك تستهلك أدمغتهم طاقة أقل، وتركز نشاطها في المنطقة المطلوبة بشكل أفضل.

يتركز العامل الرئيسي في فهم بيولوجيا الذكاء في تحديد كيفية تدفق المعلومات في الدماغ والعوامل المؤثرة على ذلك.


(النص الأصلي)

المساهمون