الدولة الفرنكنشتانية

11 مارس 2015
+ الخط -
أقتبس هذه العبارة من المفكر الكيني، علي الأمين المزروعي، (1933 - 2014) الذي ربما يجهله غالبية من يطلع على هذا المقال.
في عام 1818 تركت ماري شيلي أيقونتها الاستعارية؛ رواية "فرنكنشتاين". وفرنكنشتاين طالب في الجامعة، اكتشف طريقة يستطيع بها بعث الحياة في المادة. وهكذا استطاع أن يخلق مسخاً مصنوعاً من أجزاء لجثث وضحايا، إلا أن هذا المسخ العملاق يأخذ في قتل البشر، خصوصاً أقرباء خالقه فرنكنشتاين، ليحاول قتل فرنكنشتاين نفسه.
خلق النوع البشري مسخه الضخم المتمثل في الدولة ذات السيادة. وإذ يشدد مفهوم ماكس فيبر على قدرة الدولة على تثبيت "الاستخدام الشرعي للقوة المادية" داخل منطقة محددة، فقد سعت الدولة، دائماً، إلى تعزيز ترسانتها القانونية التي تمكنها من احتكار هذه القوة وشرعنتها. فإذا كانت الدولة الشخص المعنوي الذي يرمز لشعب مستقر على إقليم معين، حكاماً ومحكومين، بحيث يكون لهذا الشخص سلطة سياسية ذات سيادة، فإن الدولة، ككيان ذي سيادة، تسعى، دائماً، إلى الإبقاء على هذه السيادة، مهما تبدل الحكام (رؤساء أو ملوك)، ومهما تغيرت الحكومات والأحزاب الحاكمة؛ ولا ينبغي، هنا، الاستخفاف بهذا النظام. كانت الدولة، دائماً، مقبرة الحركات الاجتماعية وحركات التحرر في العالم الثالث. فبعد فك الارتباط (الجزئي) مع القوى الاستعمارية، ابتلعت الدولة السيادية مناضلي الأمس في نظامها الذي يقضي بالحفاظ على الدولة وسيادتها، ولو اقتضى الأمر رفع السلاح في وجه رفاق النضال بالأمس، دفاعاً عن السيادة والشرعية وأشياء أخرى.
تحولت معظم دول العالم الثالث، بعد استقلالها مباشرة، إلى ديكتاتوريات واستعماريات جديدة، بأسماء ولغة ومظاهر إقليمية. رهنت الشعوب حياتها لدى زعماء الحروب والقتل. كان القتل والسجن مصير المعارضين لنظام الحكم الديكتاتوري وسياسات التجويع، وكان المحظوظون منهم يحظون بمنفى في دولة المستعمر السابق.
وحتى لو وصلت النساء إلى سدة الحكم، فإنهن يخضعن للمنطق نفسه الذي يخضع له الذكور في تثبيت سيادة الدولة. ويفرزن، بالتالي، السياسة نفسها التي أفرزها الحكم الذكوري. بل قد تتماهى النساء مع الدور الذكوري المتميز باستعمال القوة. ففي الحرب الهندية الباكستانية سنة 1971، والتي كانت نتيجتها الأبرز استقلال باكستان الشرقية (بنغلادش) عن باكستان الغربية، وإرغام الرئيس الباكستاني يحيى خان على الاستقالة، بعد ضغط جماهيري، لم يكن في منصب رئيس وزراء الهند سوى أنديرا غاندي! وفي أثناء أزمة جزر الفوكلاند 1982 بين الأرجنتين وبريطانيا، أبدت رئيسة وزراء بريطانيا، مارغريت تاتشر، صلابة ذكورية في تعاملها العنيف مع الأرجنتين، لتحظى بمصداقية في مركز يحتكره الذكور بامتياز.
يصبح الثوار والمعارضون؛ بمجرد استيلائهم على الحكم، مدافعين عن الدولة، بل ومتمذهبين بنظامها، وفي أحيان كثيرة متعصبين لهذا النظام.
كان لينين يشدد على أنه "في وجود الدولة، لا وجود للحرية". ومع ذلك، حكم دولة آخر ما كانت تفكر فيه هو الحرية. "إن لم تنخرط في ممارسة الحكم، لن تستطيع تفهم بعض العنف المشروع الذي تمارسه الدولة ضد الساعين نحو خرابها". هذا المبرر الذي سقناه يعد شماعة لكل من ابتلعه نظام الدولة، وهو يجهد نفسه لإقناع رفاق الأمس في خارج إطار ممارسة الحكم والسلطة. إنه شعور بالذنب. لكن، بصيغة تبريرية.
وكما أن الدولة تبتلع الملتحقين بها، وقد تتهددهم بالفناء أو سلب الحرية، كما المسخ الفرنكشتايني، فالثورة كذلك لا تبعد عن أن تسلك المنهج نفسه في ما تعرف بـ "الثورة تأكل أبناءها". ما كان مصير تروتسكي. ألم يغتله رفاق الحزب الشيوعي الروسي؟ وروبيسبيير، ألم يشنقه رفاق الثورة والسلاح؟ ويوليا تيموشنكو، ألم يكن مصيرها السجن، بعد الثورة البرتقالية؟ وفلاديمير ماياكوفسكي، ألم يمت منتحراً بعد أن فشلت الثورة البلشفية في تحقيق تطلعاته؟ ومحمد نجيب؟ ألم يتنكر له الضباط الأحرار بعد ثورة 1953؟ وباتريس لومومبا؟ ألم يغتله البلجيكيون بمساعدة قائد جيشه، موبوتو سيسيسيكو؟ ما كان مصير الثورتين، البولندية والرومانية؟ وما مصير الثورات المصرية والسورية واليمنية والليبية؟
إذا كانت الدولة تقتل الملتحقين بها مجازياً، بإدماجهم في منظومتها القانونية والأيديولوجية، والتحكم في رؤاهم الفكرية، فإن الثورة، أحياناً كثيرة، ترمي أبناءها في ساحات القتل الحقيقي والمعتقلات الحقيقية والمحاكمات العسكرية الحقيقية. أو في حالة نجاح الثورة، تسلمهم للدولة ليشتغل نظام إعادة البرمجة وتحيين السياسات والرؤى الجديدة لقادة الثورة؟ لماذا نقوم بالثورة إذاً؟ ولماذا نسعى إلى تغيير الحكام والحكومات؟ لماذا نستبدل نظاماً بنفسه؟ وسياسة بمثلها؟
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)