"سايكس - بيكو...ما العبرة؟

15 مايو 2016
+ الخط -
تكتمل غدا، 16 مايو/ أيار الجاري مائة سنة على اتفاقية سايكس-بيكو التي قسمت المشرق العربي، وخصوصاً منطقتي الشام والعراق، بين فرنسا وبريطانيا، كما مهدت الطريق لقيام وطن قومي لليهود، في فلسطين بموجب وعد بلفور سنة بعد اتفاقية سايكس- بيكو في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917.
كانت الإمبراطورية العثمانية، بداية القرن العشرين، في حالة يرثى لها من الضعف والوهن، شمل المركز والأطراف معا، ما أدى إلى تزايد أطماع الإمبريالية الغربية لتصفية تركة "الرجل المريض".
لكن، بعيدا عن الأحداث التاريخية والشخصيات التي كان لها الدور البارز في تقسيم الشرق العربي، وقيام الدولة الصهيونية في فلسطين، وإحداث وضع غير مستقر في المنطقة، نتساءل عن دورنا، شعوباً ودولاً وأمة، في ما آل إليه مصيرنا، في ظل اتفاقيات سايكس –بيكو أخرى تحاك هنا وهناك، وخرائط تفصل على مقاسات دولٍ مهيمنة، ومصالح جيوسياسية تتحكم بوضع المنطقة، وأطماع اقتصادية لا تعرف الحدود في ظل تغول الرأسمالية المتوحشة على الصعيد العالمي، وإيجاد ما تسمى الفوضى الخلاقة في بعض الدول العربية، تمهيدا للسيطرة الكاملة على هذه الدول، عن طريق نخب حاكمة، تتولى تنفيذ سياسات الدول المهيمنة على الساحة الدولية.
ألسنا نكرس اتفاقيات سايكس-بيكو جديدة في عالمنا العربي الذي لم يعد مطلب الوحدة يطرق أحلامه، بل تفكيره؟ أليست كل الصراعات السياسية والدينية والعرقية التي غرقنا فيها حتى النخاع مجرد أوهام وحروب دونكيشوتية غير ذات جدوى؟ هل نعرف حقا ما نريد؟ ما هي الدولة التي نريدها؟ وما النظام السياسي الذي نبتغيه، والنموذج الحضاري الذي ننشده؟
بعيدا عن اتهام الغرب بالمؤامرة، مع تسليمنا بها جزئيا، فإن الجانب الذي ينبغي الانتباه إليه، هو لاشعورنا الجمعي الذي يحمل في طياته كثيراً من مظاهر التطرف وعدم الاستعداد لقبول الآخر المسلم الذي يختلف معنا في المذهب (السني، الشيعي) أو العقيدة (السلفية، الأشعرية، الصوفية، الإباضية). التمسك بنصوص فقهية ترجع إلى عصر كافور الإخشيدي، وبناء الآراء والفتاوى الفقهية على حادثة كربلاء ومقتل الحسين، واستحضار بعض الإرهابيين فتاوى ابن تيمية، أكبر دليل على الجمود الفكري للفقه الإسلامي في العصر الحديث، والذي فقد، بما لا يدعو إلى الشك، بوصلة الاجتهاد الذي يساير العصر. اجتهد أصحاب المذاهب الفقهية في عصرهم، فأصابوا وأخطأوا. وليس لنا الحق على لومهم فيما أخطأوا فيه، لأن اجتهادهم يشفع لهم. لكن، يبدو أن علماء الدين في عصرنا لا يملكون الشجاعة الكافية للقيام باجتهاد فقهي يراعي أوضاع الناس والعالم ومستجدات الحياة.
لنتذكر جميعا أن سايكس-بيكو ما كان لها أن تنجح، لولا الخيانات المتتالية للنخب العرب، والأطماع والصراعات القبلية والسياسية. كما لا يمكننا أن نتغاضى عما وصل إليه الغرب آنذاك من تقدم علمي، ساهم في المجال العسكري في تكريس هيمنة شبه تامة على تصنيع الأسلحة المتطورة، وبالتالي القدرة على التوسع على حساب الدول الضعيفة عسكريا واقتصاديا. كما أن الدول العربية بداية القرن العشرين، كانت لها قابلية للاستعمار كما يقول مالك بن نبي. الثورات العربية ضد العثمانيين تمت بإيعاز من الدول الغربية، أو بقيادتها المباشرة. فما معنى أن يكون ضابط إنجليزي، هو "توماس إدوارد لورنس"، المعروف بلورنس العرب، قائدا لثورة القبائل العربية على العثمانيين؟ ما الذي حدث بعد الثورة؟ هل حصل العرب على الاستقلال من الخيّرين (فرنسا وبريطانيا وأميركا)؟ ألم يطرد العرب الأتراك من النافذة، ليدخلوا الغرب الاستعماري من الباب؟ وهل حقا حصلت الدول العربية؛ والتي تناسلت كالفطر بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، على استقلال حقيقي منذ أكثر من قرن؟
إننا نكرس الوضع نفسه بعد مرور 100 سنة على التقسيم القديم. مع بشار أو ضده، مع عبد الفتاح السيسي أو مع الإخوان المسلمين، مع الثوار الليبيين أو مع خليفة حفتر، مع الحوثيين أو مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، مع شيعة العراق أو مع سنته...لا يهم مع من أنت. إنهم يدمرون الأوطان ويقتلون الإنسان، ينتهكون الحرمات ويشتتون الأسر والعائلات، يبثون الكراهية ويتهمون الأحرار بالخيانة، يغتصبون الطفولة من الصغار وينزعون الحكمة من الكبار.
إنهم يقتلون الحياة.
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)