الدولار المزعج والمحيّر

19 أكتوبر 2015
الدولار يستأسد في مصر رغم تراجعه عالمياً (أرشيف/Getty)
+ الخط -


بات الدولار مصدر قلق وإزعاج وحيرة للمصريين جميعاً، أفرادا وتجارا ومستوردين ورجال أعمال وبنكا مركزيا وحكومة، بل بات يهدد بنشوب أزمة اقتصادية طاحنة وهروب ما تبقى من استثمارات أجنبية.

فالرفع المتواصل لسعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، ليس فقط بسبب قوة العملة الأميركية في مصر مقارنة بوضعها المذبذب عالمياً، خاصة مع تأجيل البنك المركزي الأميركي رفع أسعار الفائدة على الورقة الخضراء أكثر من مرة.

ولكن من حيث مغزى خفض قيمة العملة المصرية في هذا التوقيت بالذات، وعلاقة ذلك بمستقبل الدعم الخليجي لمصر، وإمكانية حصول مصر على قروض خارجية بشكل عاجل، ومدى قدرة الحكومة على تنفيذ خططها الرامية إلى إعادة موارد البلاد من النقد الأجنبي لمعدلاتها الطبيعية، وأقصد هنا تحديداً موارد السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية.

إضافة إلى مدى وجود برامج وخطط لدى الحكومة للتعامل مع مشكلة ارتفاع الأسعار الناجمة عن انخفاض قيمة الجنيه بشكل متواصل، خاصة أن مصر تستورد 70% من احتياجاتها من الخارج، ومدى قدرة المواطن أصلاً على تحمل التكلفة الباهظة الناجمة عن خفض قيمة العملة المحلية.

من حيث التوقيت: فإن السؤال المطروح هنا هو: ما هو سر خفض قيمة الجنيه المصري 20 قرشاً أمام الدولار في أقل من أسبوع في هذا الوقت الحرج سياسياً واقتصادياً؟

اقرأ أيضاً: تحذيرات من انهيار وشيك للدينار العراقي

هل تم اتخاذ القرار مع انشغال قطاع كبير من المصريين بالانتخابات البرلمانية ترشحاً أو تصويتاً أو حتى مقاطعةً؟ أم أن البنك المركزي أقدم على هذه الخطوة بعد أن فقد الأمل في حصول الحكومة على مساعدات خليجية عاجلة يتم من خلالها إعادة بناء الاحتياطي الذي وصل إلى مرحلة الخطر، وبالتالي أخذ قراره بعد أن تأكد أنه لا يوجد دعم خليجي في الطريق؟
وهذه النقطة تقودنا إلى مغزى قرار الخفض المتواصل لقيمة الجنيه المصري، هل هو الحفاظ على ما تبقي من الاحتياطي الأجنبي؟

أم أن الهدف هو العمل على زيادة موارد البلاد من النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية كما تقول أطراف حكومية؟ خاصة أن البعض ربط بين الانخفاضين الأخيرين للجنيه وتصريحات أشرف سالمان، وزير الاستثمار، في مؤتمر اليورومني، والتي قال فيها إن تخفيض الجنيه لم يعد اختيارا في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية حالياً، وأنه إما أن نخفض الجنيه أو نضحي بالاحتياطي، والحكومة من منظور اقتصادي ترى أنه لا يجب أن ينخفض الاحتياطي عن هذا الحد.

أخيراً: ماذا عن تأثيرات قرار رفع قيمة الدولار أمام الجنيه على أسعار السلع الرئيسية، خاصة أن مصر تستورد نحو 70% من احتياجاتها من الخارج، وماذا عن قدرة المواطن على تحمل فاتورة الفشل الحكومي في التعامل مع أزمة تراجع موارد الدولة من النقد الأجنبي؟

لقد قلت مرات عديدة إن السلطة في مصر تستطيع أن تنقذ المصريين من هذا العبث الذي يعيشونه، ومن أزمة اقتصادية طاحنة كادت أن تأكل الأخضر واليابس، وذلك عبر إحداث استقرار سياسي وأمني حقيقي، وتهدئة المجتمع، وإجراء مصالحات بين أبنائه.

هذا هو الحل الوحيد الذى يهرب منه الجميع.


اقرأ أيضاً: مصر تواصل خفض عملتها رغم الحديث عن قروض خارجية

المساهمون