"أكثر من 28 ألف عائلة مهاجرة، من خلفية غير غربية، تعيش في مجتمعات هامشية وعزلة عن ثقافة ولغة الدنمارك"، هي خلاصة تقرير أعدته وزارة الداخلية والاقتصاد في كوبنهاغن.
ويأتي التقرير على خلفية جدل كبير حول "هوية ومستقبل المجتمع الدنماركي"، بالتركيز على من يطلق عليهم "المهاجرون، أو من هم من أصول غير غربية (خارج أوروبا)"، ليزيد حدة النقاش والانتقاد لمصطلح "مجتمعات موازية parallelsamfund".
ويجزم خبراء الوزارة بأن تلك العائلات "تعيش في مجتمع مواز، معزولة عقليا وجسديا عن الدنمارك، وتتبع معايير وقواعد خاصة بها".
ويوضح التقرير السياسي والأكاديمي المثير للجدل، أن معطياته "استندت إلى معايير ومؤشرات حول حياة هذه الأسر المهاجرة، ومدى تواصلها مع المجتمع الدنماركي، خصوصا تلك التي تقطن في تجمعات سكنية تقل فيها نسبة الدنماركيين، ويرتاد الأطفال مدارس أو دور رعاية تهيمن عليها نسبة من المهاجرين غير الغربيين".
ويشير معدّو الدراسة إلى أن "نحو 500 ألف من عدد السكان هم من مهاجرين غير غربيين، وزادت نسبتهم من 1 في المائة عام 1980 إلى أكثر من 8 في المائة اليوم، من إجمالي عدد السكان البالغ 5.8 ملايين مواطن".
كما يبيّن التقرير أن "نسبة كبيرة من المجموع الكلي البالغ 180 ألف أسرة غير غربية يعيشون في ما يشبه الغيتوهات، ويوجد في كل أسرة على الأقل شخص بالغ يعيش سلبيا في المجتمع".
معايير كثيرة تم الاستناد إليها في تصنيف التقرير للمجتمعات الموازية، وبالإضافة إلى تكدس المدارس بأطفال من الخلفية ذاتها، اعتمد على "مفاهيم قيمية عن طريقة الحياة في الدنمارك".
ويشار إلى أنه منذ 2012 والدنمارك تجري سبرا لمؤشرات الأسر المهاجرة وطريقة اندماجها في محيطها الدنماركي. وما يقدمه هذا التقرير يكشف أن "لدى الأسر غير الغربية مفهوما مختلفا تماما عن دور الرجل والمرأة في الأسرة، فمقابل 3 في المائة من الدنماركيين الذين يعتبرون أن الرجل هو الأساس في البيت، ترتفع النسبة لدى الأسر المهاجرة المشمولة بالبحث، إلى 20 في المائة".
الإشكالية الأخرى بنظر معدّي الدراسة تكمن في انتشار "الرقابة الاجتماعية كممارسة شائعة لدى الأسر المهاجرة التي تحد من الحريات الشخصية والاختيار الطوعي للحياة، ومقابل 92 في المائة من النساء الدنماركيات اللاتي يشعرن بالمساواة، فإن النسبة لا تتجاوز 53 في المائة عند الإناث من أصول مهاجرة غير غربية".
وكثيرا ما يستشهد الدنماركيون بطرق الزواج والعمل والدراسة واللباس والعلاقة بين الرجل والمرأة، وتدخّل الأسر في حياة الزوجين، كنوع من "الرقابة الاجتماعية"، التي تشمل، وفقا لمهتمين بحياة المهاجرين، أولئك الذين وُلدوا وكبروا في المجتمعات الموازية من الجيلين الثاني والثالث.
ويجزم معدّو التقرير أن 35 ألف أسرة تعيش على حافة الانعزال، ويلحظ أن "مجموعات كبيرة من المهاجرين يعيشون في تجمعات سكنية منعزلة، ببطالة مرتفعة، ولا يتحدثون الدنماركية، ولا يتقابلون سوى مع أشخاص مهاجرين مثلهم".
في المقابل، يذهب خبراء ومتخصصون في علم الاجتماع إلى انتقاد منهجية عمل الوزارة، ومعدي التقرير المثير للضجة في كوبنهاغن، خصوصا بالنسبة لتعبير "المجتمعات الموازية". بعض هؤلاء يرى أن مسألة تعريف انعزال مهاجرين غير غربيين استند منذ 5 عقود إلى اتباع قيم محددة تتعلق بحياة وثقافة الدنماركيين، وسعي هؤلاء لأن يصبحوا جزءا من المجتمع، لكن ماذا يعمل مجتمع الأغلبية في المقابل؟
الباحث في قضايا المجتمع موينز موينزن، يعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التصنيف الذي اعتمده التقرير، سياسي وليس علمياً. ويسأل "كيف يضع (التقرير) أسرا بأكملها خارج سياق المجتمع لأن شخصاً فيها لا يعمل خلال السنوات الأربع الماضية، وكيف يمكن استخدام هذا المعيار للقول إن آلاف الأسر تعيش على الهامش؟".
وعلى الرغم من الانتقادات، يرى موينزن أن "التقرير بالتأكيد يشير إلى إشكاليات، منها سياسة الإسكان التي انتهجتها الدولة والبلديات على مدى عقود، بالإضافة إلى مؤسسات رعاية الأطفال والمدارس، وسياسة الدمج الاجتماعي والتشغيل، وغيرها من القضايا التي يمكن الاستمرار في تعدادها".
وتزامناً مع التقرير، صرّح وزير الداخلية والاقتصاد، سيمون أميتزبول، الإثنين الماضي، قائلاً "من المهم جدا المحافظة على الثقة المتبادلة في المجتمع الدنماركي، بدون أن يكون لدينا مجموعات بشرية تعيش منفصلة، وفي أجواء البطالة والجريمة".
وفي السياق، يجادل أكاديميون مختصون في علم الاجتماع، ومنهم الأستاذ الجامعي في روسكيدا، ترولس شولتز لارسن، بالقول إن "التقرير يقوم على فرضيات ومتغيرات وشكوك واحتماليات، كالقول بأن 35 ألف أسرة تعيش على حافة الوقوع في تصنيف المجتمعات الموازية، فمن يؤكد ذلك؟ هناك غياب لدقة القياس والتعريفات الواضحة، إلى جانب إشكاليات منهجية بحثية في إعداد تقرير بهذه الشمولية".
وتشكك البروفسورة في علم الاجتماع بجامعة كوبنهاغن، ميكائيلا فون برايسيلبن، وهي المتخصصة في قضايا "المجتمعات الهامشية والموازية وتعريفاتها"، بما يريده التقرير من طرح تلك المشاكل.
وتشير إلى "أنه مفهوم جديد نسبيا (المجتمعات الموازية) ويتخذ اليوم كوسيلة ضغط سياسي في جدل قيمي عن سياسة الهجرة والاندماج". وتختم المختصة بالهجرة والاندماج قائلة "من الجيد أنهم يحاولون تحديد ما تعنيه المجتمعات الموازية، لكنني لا أعتقد أنهم نجحوا تماما".
في المقابل، ينتقد القيادي في حزب "اللائحة الموحدة" وعضو البرلمان، نيكولاي فيلومسن، في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، تزايد الحديث عن المجتمعات الموازية، "إذ تفوح منه رائحة التمهيد للانتخابات البرلمانية، تزامناً مع تغير نبرة الحزب الاجتماعي الديمقراطي وإظهار نفسه متشدداً، فتلك سياسة رمزية لا تحمل أية قيمة للدمج الحقيقي".
ويرى أن التقرير هو "تمهيد لسياسة البلدوزر"، في إشارة إلى مخطط حكومة يمين الوسط لهدم التجمعات السكنية التي تعيش فيها أغلبية من المهاجرين، للتخلص مما يسمونه "المجتمعات الموازية".