الدنمارك تعرقل أحلام الطلاب السوريين

03 نوفمبر 2018
عند انتهاء مرحلة تعليمية مع قبعاتهم الخاصة (ناصر السهلي)
+ الخط -

هرباً من الحرب، راح آلاف السوريين يبحثون عن ملجأ. بعضهم وصل إلى الدنمارك، غير أنّ الشروط التي تحكم إقامتهم ليست سهلة، خصوصاً بالنسبة إلى الشباب في سنّ الدراسة الجامعية


مع تبنّي الدنمارك وغيرها من دول الشمال الأوروبي، منذ عام 2015، نظام "الإقامة المؤقتة"، صار نحو أربعة آلاف و577 مهاجراً تحت رحمة تمديد إقامتهم سنوياً في خلال الأعوام الثلاثة الأولى، وثمّ مرّة كلّ عامين، مع احتمال سحب حقّ الإقامة كلياً في حال حدث تحسّن في البلد الأصلي. وذلك بحسب التعديل القانوني الذي أدخلته حكومة يسار الوسط السابقة، وما تبعه من تشديد في ظلّ ائتلاف حكومة يمين الوسط بدفع من اليمين الشعبوي المتشدد.

هؤلاء الذين شملهم التعديل، بمعظمهم، هم من سورية، رأت الدولة الدنماركية أنّ "الحماية المؤقتة مُنحت لهم بسبب هروبهم من ظروف الحرب عموماً، وليس لملاحقة شخصية مثلما نصّت معاهدة جنيف للجوء". ومن بينهم، وفقاً لأرقام دائرة الهجرة ومنظمة "أهلاً باللاجئين"، نحو 1400 امرأة (18 - 39 عاماً)، ونحو 860 فتاة (صفر - 17 عاماً)، ونحو 550 رجلاً (18 - 39 عاماً)، ونحو 1100 فتى (صفر - 17 عاماً)، في حين أنّ البقية فوق 40 عاماً من الجنسَين.




وقد وجدت منظمة "أهلاً باللاجئين" أنّه بمرور ثلاثة أعوام على الإقامة المؤقتة، بدأت المشاكل تطاول فئة الشباب تحديداً. بالنسبة إلى المشرّعين، يُعَدّ قانون الإقامة المؤقتة مدخلاً إلى إعادة المهاجرين إلى أوطانهم، بينما تراه مسؤولة المنظمة ميكالا بيندسن قانوناً "تمييزياً، بالإضافة إلى أنّ الأغلبية المستهدفة هي من الإناث الهاربات للأسباب نفسها التي هرب منها الرجال. لكنّ القانون في البلد يرى أنّهنّ غير مستحقات للجوء السياسي الكامل، لأنهنّ لم يعشنَ المخاطر نفسها التي خبرها الرجال في الحرب عبر استدعائهم للخدمة العسكرية".

وقد أضافت بيندسن في تصريح صحافي، أنّ "هذه الفئة تجد نفسها اليوم غير قادرة على الاستمرار في الحياة هنا وتحقيق طموح الدراسة". يُذكر أنّ "أهلاً باللاجئين" تقدّم استشارات قانونية مجانية للمهاجرين طالبي اللجوء في الدنمارك، مع الإشارة إلى أنّ فئة كبيرة من الشباب ترغب في استكمال دراستها الجامعية.

على الرغم من أنّه يحقّ للمقيمين مؤقتاً بالعمل وبالدراسة الثانوية أو الدراسة الأساسية للتأهل الجامعي، فإنّ من يحمل إقامة مؤقتة يتوجّب عليه، وفق القانون، تحمّل تكاليف التعليم الجامعي بنفسه، وهو ما يُعَدّ "تحطيماً لإمكانية تحقيق الطموح أو الاندماج في المجتمع"، وفقاً لبيان صادر عن "أهلاً باللاجئين". وتنتقد المنظمة سياسة الحكومة "الهادفة إلى منع تلك الفئة من الاندماج لتسهيل إعادتها إلى بلادها"، مؤكدة أنّها "تجعلها فئة ضعيفة من دون تعليم". وتشير المنظمة إلى أنّه "في حالات كثيرة، يكون الوضع القانوني للإقامة مختلفاً بين أفراد العائلة الواحدة، إذ إنّ بعضهم حاصل على إقامة دائمة في حين أنّ آخرين - خصوصا النساء - حاصلون على إقامات مؤقتة ويشعرون بقلق دائم من ترحيلهم إلى بلادهم". ومن بين مئات السوريين الذين أنهوا دراسة أساسية تؤهلهم لاستكمال التعليم الجامعي، اضطر كثيرون إلى العمل والتوقف عن التفكير باستكمال التعليم. ويصف مستشارون قانونيون في المنظمة نفسها ظروف هؤلاء بأنّها "ضاغطة نفسياً بعد جهود على مدى أعوام لتعلم اللغة والتأهل للجامعة، ليصطدموا بقوانين تجبرهم على دفع تكاليف تعليمهم الجامعي".

ثمّة خشية على الاندماج (ناصر السهلي)












يقول المحامي هيليا راتز، من "أهلا باللاجئين"، لـ"العربي الجديد"، إنّ ما يجري يطاول مئات إن لم يكن آلافاً من الشباب سوف يجدون أنفسهم بلا تعليم، وهذه "ممارسة تمييزية". وعلى الرغم من تفهّم بعض الشباب السوريين للقانون الدنماركي، فإنّ ثمّة من صُدم بعد إنهائه دراسته الثانوية في الصيف المنصرم، عندما علم أنّه يتعيّن عليه تحمّل تكاليف الدراسة الجامعية.

وتشير آهين محمد علي، وهي شابة سورية من حلب، إلى أنّ "السياسيين يتشددون في القانون لمنعنا من تأليف روابط بالدنمارك، وذلك لأنّنا نحمل إقامات مؤقتة بهدف إعادتنا إلى سورية". والشابة العشرينية التي اضطرت إلى ترك تعليمها الجامعي في حلب، رافقت أهلها في رحلة هجرتهم عبر تركيا. وتماماً كما هي حال مئات من مواطنيها المهاجرين، تتساءل: "لنفترض أنّه لم يحن الوقت المناسب لإعادتنا إلى سورية على مدى أعوام، فهل هذا يعني أن نتوقف عن الحياة ولا نتابع تعليمنا؟".

من جهتهما، الأخوان رأفت وساجد كزبري، في بداية العشرينيات من عمريهما وقد تأهلا لدراسة الطب بعد الحصول على علامات جيدة. يقولان: "اصطدمنا بعقبة عدم شملنا بمجانية التعليم الجامعي لأنّنا نحمل إقامة مؤقتة". ويشرحان أنّه وفقاً للمعمول به في الدنمارك، فإنّ من يحمل إقامة مؤقتة ويرغب في الدراسة الجامعية، يتوجّب عليه دفع 100 ألف كرونة دنماركية (نحو 15 ألف يورو) تقريباً كتكاليف دراسة الطب للسنة الواحدة.

بالنسبة إلى شباب كثيرين، سواء أكان المبلغ بهذا القدر أم ربعه (في تخصصات أخرى)، فإنّه يصعب عليهم تحمّل التكاليف، خصوصاً في ظل وضع اقتصادي سيئ يعيشه أهالي هؤلاء الذين يتلقون إعانات مالية مؤقتة في خلال الأعوام الأولى من الدمج والبحث عن عمل ثابت. ويرى الأخوان كزبري أنّ في ذلك "تعجيزاً وتدميراً للطموحات. فالشخص لا يستطيع حتى الانتقال إلى دولة أخرى ليتابع دراسته فيها، بسبب إقامته المؤقتة من جهة وعدم توفّر المال من جهة أخرى. بالتالي، يجد نفسه مضطراً إلى التخلي عن أحلامه". تجدر الإشارة إلى أنّ السوريين في المرحلتَين الإعدادية والثانوية سوف يجدون أنفسهم في خلال أعوام قليلة في ظرف يشبه ظروف هؤلاء.

تكثر الانتقادات الحقوقية والأممية لسياسة اللجوء في الدنمارك، لكن لا يبدو أنّ حكومة ائتلاف يمين الوسط، المستندة إلى أصوات اليمين المتشدد، سوف تغيّر سياساتها. وعلى الرغم من ذلك، تأمل المنظمات الحقوقية وأحزاب اليسار أنّ تدفع إثارة هذا الموضوع في الإعلام وفي أروقة الأمم المتحدة، الحكومة الدنماركية إلى تغيير سياستها ومنح المقيمين بصفة مؤقتة فرصة تحقيق أحلامهم بالتحصيل العلمي.




في سياق متصل، كثيرون هم السوريون دون الثامنة عشرة الذين لا يملك أهاليهم إقامة، الممنوعون من استكمال تعليمهم بعد الصف التاسع. وعلى الرغم من إثارة الصحافة قضايا هذه الفئة، فإنّ حكومة البلاد لم تتزحزح عن موقفها بعدم تغطية تكاليف التحاق هؤلاء بالثانويات، أمّا الحجة فهي أنّ "التعليم الإلزامي في الدنمارك هو حتى الصف التاسع".