الدمية الروسية: الدراما بمنطق ألعاب الفيديو

02 مارس 2019
المسلسل مؤلّف من 8 حلقات فقط (تويتر)
+ الخط -
مطلع الشهر الحالي، بثت شبكة "نتفليكس" مسلسلاً قصيراً جديداً، هو مسلسل Russian Doll أو "الدمية الروسية" الذي يتكون من ثماني حلقات فقط. ولاقى المسلسل استحساناً وقبولاً عاماً من قبل النقاد والجماهير، فحصل على العلامة الكاملة في التقييم على الموقع، بنسبة 100 في المئة، كما حصل على تقييم 99 في المئة على موقع "روتين تومايتوز". يسرد المسلسل حكاية ناديا التي تبلغ السادسة والثلاثين من عمرها، والتي تموت بشكل متكرر، لتعود في كل مرة إلى حمام البار الذي استأجرته صديقتها "ماكسين" للاحتفال بعيد ميلادها، فتحاول بعد العودة من الموت أن تسلك طرقاً مختلفة لتنجو، ولكنها تموت مراراً وتكراراً.

وتبدو الحبكة للوهلة الأولى مألوفة ومستهلكة، فقد تم استخدامها في عدد كبير من الأفلام، مثل: Before I Fall والفيلم المصري "ألف مبروك" وغيرها. ولكن Russian Doll يبدو مختلفاً عن كل ما سبقه؛ ففي حين كانت الأعمال الدرامية الماضية تستخدم هذا النمط من الحبكة الدائرية كنوع من التعبير الفني عن أسطورة "سيزيف" وقدرية الموت، فإن Russian Doll يستخدم هذا النوع من الحبكة بوصفها تجسيداً درامياً للحياة في ألعاب الفيديو التي يحاول فيها بطل اللعبة في كل مرة حل الألغاز، وإيجاد السبل الفضلى لتخطي العوائق والنجاة، أو إنقاذ البطلة.

تساؤلات فلسفية
بطلة المسلسل ناديا هي مصممة ألعاب فيديو، قامت بصناعة لعبة معقدة، لا يمكن الفوز فيها. وفجأة تجد نفسها في عالم مشابه، ومن دون إدراك لتلك الروابط، ووسط تساؤلات فلسفية عن حقيقة الوجود، وشكها بحقيقة وجودها على قيد الحياة أو أنها باتت في المطهر، تحاول ناديا أن تفسر ما يحدث لعلها تتخطى الدوامة، أو المرحلة، التي علقت فيها، فتسعى لتفسير الواقع الجديد من خلال تفسيرات منطقية أو روحانية. ففي البداية تظن أن ما تعيشه من اختلاجات هو ناجم عن الهلوسة بسبب تعاطيها لنوع جديد من أنواع المخدرات الكيميائية، وبعد أن تنتفي هذه النظرية تحاول أن تفسر ما يحدث من خلال ارتباطات روحانية وعوالم ميتافيزيقية مقترنة بالمكان الذي تبدأ منه رحلتها في كل مرة، وتعلق بهذا التفسير لبرهة، لأن المكان الذي يقام فيه الحفل كان في وقتٍ مضى داراً للعبادة.



خطوط زمنية متداخلة
إلا أن جميع التفسيرات المنطقية والميتافيزيقية لا تفلح بإيجاد حلول للأزمة التي تعيشها ناديا، وتبدو وكأنها عالقة في دوامة زمنية إلى أن تلتقي بشريكها في اللعبة واسمه ألان، للمرة الثانية عن طريق الصدفة، وتعود إلى نقطة البداية بعد الموت وبحوزتها خاتم كان يحمله، لتدرك للمرة الأولى أن الدوامة يمكن كسرها، وأن هناك سبيلاً لخلق تراكم من نوع ما قد يؤدي إلى النجاة.

ورغم أن التعارف بين ألان وناديا يحدث ضمن الدوامة الزمنية السوريالية التي تأطر زمن المسلسل، إلا أن العلاقة بينهما تعود إلى ما قبل ذلك؛ فشريكها ألان مدمن لألعاب الفيديو، وهو يكره ناديا لأنها صممت لعبة لا يمكن الفوز فيها. أما اللقاء الأول بينهما، فيتم في الحلقة الأولى في السوبرماركت، أو بالأحرى في المرة الأولى التي يعيشان فيها تلك الليلة؛ وكل منهما ينظر للآخر نظرة خاطفة، وهو يدرك بأنه قادر على حماية الآخر ولكنه لا يفعل؛ فلا تقوم ناديا بمساعدة ألان، رغم شعورها بأنه يحتاج إلى المساعدة لكونه فاقداً التوازن، ولا ألان يقوم بمساعدة ناديا قبل أن تنحدر للهاوية بعلاقة جنسية تبدأها مع مايك. وبعد عدة ميتات، يدرك الاثنان أن العالم يتداعى، فالفواكه والأطعمة تتعفن، والأشخاص يختفون واحداً تلو الآخر، ويختفي من الأماكن عدد كبير من عناصرها، وتتداخل الخطوط الزمنية لتظهر شخصيات من الماضي، وذلك ما يجعلهما يسعيان للعودة إلى المرحلة الأولى من اللعبة، لينقذا الموقف. وعندما يتمكنان من إعادة خلق اللحظة الأولى، يقوم كل منهما بلعب دور البطل، لينقذ الآخر، في نسختين زمنيتين متوازيتين، تكسر الذكورية التي عهدناها في ألعاب الفيديو، فلا تبدو البطلة في هذا المسلسل مجرد ضحية أو جائزة يحصل عليها البطل بعد إنجاز المهمة.

جزء ثانٍ
وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الأعمال الدرامية استقت موادها الأولى من ألعاب الفيديو، سواء من خلال إقحام شخصيات مألوفة بهذا النمط من الألعاب أو من خلال استخدام "منظور الشخص الأول" كأسلوب إخراجي، إلا أن Russian Doll يبقى أحد أكثر الأعمال المستقاة من ألعاب الفيديو إثارةً وإبداعاً، بسبب قراءته لألعاب الفيديو بطريقة فلسفية، وتجسيد الأفكار من دون مغالاة بإقحام عناصر بصرية؛ وبسبب تعاطيه مع ثنائية اللاعب المحرك وشخصية "البطل المتحرك" بأسلوب درامي شيق، بالاستفادة من نظريات وحبكات معقدة كحبكة العوالم المتوازية والحبكة الزمنية الدائرية لتجسيد هذه المعادلة. وبسبب النجاح السريع للمسلسل، تم الإعلان عن وجود جزء ثانٍ منه، ستقوم بطلة المسلسل، ناتاشا ليون، بالمشاركة في كتابته، علماً أنها شاركت في كتابة الجزء الأول.
دلالات
المساهمون