13 نوفمبر 2024
الدرجة صفر من الوقاحة
كل مرة يؤكد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مستوى الحقارة الذي يمكن أن ينحدر إليه الإنسان، بتصرّفاته وأفعاله وأقواله. ففي ظرف أسبوع، أبان الرئيس المتعجرف، حد المرض، عن مستوىً بائس من التصرف الذي لا يمكن إلا أن يوصف صاحبه بالحقارة. ففي وقت كان فيه ملايين الأميركيين مشدودين إلى شاشات التلفزيونات يتابعون مراسيم نعي السناتور الراحل، جون ماكين، فضّل الرئيس أن يحمل عصا لعبة الغولف، ويتوجّه إلى ملعبه الخاص، في صورةٍ اختزلت حجم العزلة التي يعيشها رئيسٌ "منبود" يُفترض فيه، بعد أدائه القسم، أنه رئيس لجميع الأميركيين، بمن فيهم معارضوه وخصومه ومنتقدوه.
لم يحترم ترامب تاريخ الرجل الذي شهد من نعوه، ومنهم الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، بأنه جسّد أروع ما في أميركا من قيم، حتى صار من مكونات ضميرها المعاصر، وإنما لم يراع حتى حُرمة الموت التي تُعتبر قاعدة إنسانية يتحلّى بها البشر مهما كانت عقيدتهم، ولا يستهين بها أو يشمت فيها إلا فاجر وقح.
وفي الأسبوع نفسه، إن يكن في اليوم نفسه، دخل القرار الأميركي، حجب نحو مائتي مليون
دولار من المساعدات الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) حيز التنفيذ، في تصرّف "ابتزازي" حقير ورخيص من رئيس أكبر قوة اقتصادية عالمية، لشعبٍ فقير أرضه محتلة منذ أكثر من 60 عاما، نصفه منفي في الشتات، ونصف من بقي منه صامد يعيش لاجئا فوق أرض أجداده، بفضل ما تجود به مساعدات الدول، ومساهمات "أونروا" ستة عقود في توفير أدنى مقومات الحياة الكريمة لفقراء اللاجئين.
لا ينمّ هذا التصرف عن غطرسة ترامب وعجرفته فقط، وإنما يكشف عن الجانب الأسود داخل قلبه الذي يحمل كما هائلا من الحقد والاحتقار لكل من يخالفونه الرأي، أو يعترضون مشاريعه التي تمليها عليه نزواته وتقلبات مزاجه العكر دوما.
لم تبدأ وقاحة ترامب تجاه الفلسطينيين مع حجب مساعدات بلاده التي لا تمثل أي شيء لدولة في عظمة أميركا وقوة اقتصادها، وإنما عندما قرّر الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده إليها، متحدّيا العالم، ومتجاهلا مشاعر الفلسطينيين الذين دعاهم، بكل غطرسة، إلى نسيان القدس، رمز قضيتهم، لأنها لن تعود مطروحةً على أجندة أي مفاوضات سلام مستقبلية بينهم وبين الإسرائيليين. واليوم عاد ليقترح عليهم كونفدرالية، بدل دولة، ومع الأردن، ومرة أخرى وبكل وقاحة، لم يستشر الأردن، أما الفلسطينيون فأصبح، هو وصهره الذي نصبه كبير مستشاريه، يقرّران في مصيرهم، ويرسمان لهم أفق مستقبلهم، ويصوغان لهم حدود حلمهم، ويحدّدان لهم سقف طموحهم!
وقاحة ترامب بلا حدود، ولم يسبق أن بلغها رئيس أميركي قبله، ولم يسبقه إليها إلا الطغاة، على غرار نيرون وهتلر وستالين، وكلهم كان مصيرهم مزبلة التاريخ، ولا يضاهيه فيها اليوم إلا صديقه، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وينافسه في تعابيره الخارجة عن سياق الدبلوماسية والآداب المتعارف عليها رئيس الفيليبين، رودريغو دوتيرتي، الذي لم يسلم من وقاحته حتى الإله، عندما تحدّى، متبجحا بإلحاده، كل من يؤمن بوجود الله أن يأخذ معه "سيلفي" إن كان فعلا موجودا!
تعدّدت أشكال وقاحة ترامب، ولم تعد تقتصر على تغريداته القصيرة التي غالبا ما يكتبها وهو مستلق في فراش نومه ما بين النوم واليقظة، عندما يفتح عينيه كل صباح، وتجاوزتها إلى
قراراته، وهنا خطورتها، لأنها تنتقل من حالة المزاج العكر والمتقلّب لتتحوّل إلى أفعال هوجاء، وتصرّفاتٍ قبيحةٍ ومذمومةٍ، وقراراتٍ شنيعةٍ وفظيعةٍ مثيرةٍ للغيظ. ومن بين أبشع صور هذه الوقاحة، قرار ترامب فصل أطفال المهاجرين عن أمهاتهم وحجزهم داخل أقفاص حديدية، بدون مراعاة لمشاعر الأمهات، ولا لصرخات الأطفال أو مناظرهم وهم محتجزون مثل حيوانات وراء شبابيك حديدية. وقد أثار عليه قراره هذا السخط والإدانة والاستنكار في كل العالم، لكنه استمر في غيّه، مثل أبله، غير آبهٍ إلا بما يمليه عليه مزاجه المتقلب.
أما مقطع الفيديو الذي صوّره وهو يستقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في البيت الأبيض، ويستعرض أمامه، صور قطع السلاح الأميركي، مثل بائع خردة شاطر، فقد أبانت عن نوع آخر من الوقاحة، ممزوج بالابتزاز والتهكم من ضيفه الذي أقسط في يده، عندما قال له الرئيس الأميركي موبخا وساخرا، ماذا تعني أربعمائة مليار دولار التي ابتزّها منهم، وطالبه بدفع خمسة آلاف مليار دولار، متبجّحا بأن حماية بلاده السعودية هي التي جعلت منها الدولة الغنية التي هي عليها اليوم!
لا يُعرف إلى متى سيصبر الشعب الأميركي على تحمل الرئيس الذي أبتُلي به، لكن الأكيد أن بقاءه حتى نهاية ولايته، ولا قدّر الله في حالة التجديد له كما يطمح، سيؤدي إلى كارثة لا محالة، ليس فقط على أميركا وإنما على العالم. ألم يبتزّ ترامب شعبه، وبكل وقاحة، عندما خيّرهم بين استمراره هو في الحكم وتفقيرهم! إنه خيار شمشون الجبار، والساذج في الوقت نفسه، الذي كانت قوته سببا في فنائه ونهايته، عندما هدم المعبد عليه، وعلى أعدائه، من فرط غبائه. تحوّلت صرخة شمشون اليائسة "عليّ وعلى أعدائي" إلى فلسفة وأسلوب حكم عند طغاةٍ كثيرين دمّروا بلدانهم وأهلكوا شعوبهم.. وترامب ليس بعيدا عن دخول سجل هؤلاء.
لم يحترم ترامب تاريخ الرجل الذي شهد من نعوه، ومنهم الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، بأنه جسّد أروع ما في أميركا من قيم، حتى صار من مكونات ضميرها المعاصر، وإنما لم يراع حتى حُرمة الموت التي تُعتبر قاعدة إنسانية يتحلّى بها البشر مهما كانت عقيدتهم، ولا يستهين بها أو يشمت فيها إلا فاجر وقح.
وفي الأسبوع نفسه، إن يكن في اليوم نفسه، دخل القرار الأميركي، حجب نحو مائتي مليون
لا ينمّ هذا التصرف عن غطرسة ترامب وعجرفته فقط، وإنما يكشف عن الجانب الأسود داخل قلبه الذي يحمل كما هائلا من الحقد والاحتقار لكل من يخالفونه الرأي، أو يعترضون مشاريعه التي تمليها عليه نزواته وتقلبات مزاجه العكر دوما.
لم تبدأ وقاحة ترامب تجاه الفلسطينيين مع حجب مساعدات بلاده التي لا تمثل أي شيء لدولة في عظمة أميركا وقوة اقتصادها، وإنما عندما قرّر الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده إليها، متحدّيا العالم، ومتجاهلا مشاعر الفلسطينيين الذين دعاهم، بكل غطرسة، إلى نسيان القدس، رمز قضيتهم، لأنها لن تعود مطروحةً على أجندة أي مفاوضات سلام مستقبلية بينهم وبين الإسرائيليين. واليوم عاد ليقترح عليهم كونفدرالية، بدل دولة، ومع الأردن، ومرة أخرى وبكل وقاحة، لم يستشر الأردن، أما الفلسطينيون فأصبح، هو وصهره الذي نصبه كبير مستشاريه، يقرّران في مصيرهم، ويرسمان لهم أفق مستقبلهم، ويصوغان لهم حدود حلمهم، ويحدّدان لهم سقف طموحهم!
وقاحة ترامب بلا حدود، ولم يسبق أن بلغها رئيس أميركي قبله، ولم يسبقه إليها إلا الطغاة، على غرار نيرون وهتلر وستالين، وكلهم كان مصيرهم مزبلة التاريخ، ولا يضاهيه فيها اليوم إلا صديقه، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وينافسه في تعابيره الخارجة عن سياق الدبلوماسية والآداب المتعارف عليها رئيس الفيليبين، رودريغو دوتيرتي، الذي لم يسلم من وقاحته حتى الإله، عندما تحدّى، متبجحا بإلحاده، كل من يؤمن بوجود الله أن يأخذ معه "سيلفي" إن كان فعلا موجودا!
تعدّدت أشكال وقاحة ترامب، ولم تعد تقتصر على تغريداته القصيرة التي غالبا ما يكتبها وهو مستلق في فراش نومه ما بين النوم واليقظة، عندما يفتح عينيه كل صباح، وتجاوزتها إلى
أما مقطع الفيديو الذي صوّره وهو يستقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في البيت الأبيض، ويستعرض أمامه، صور قطع السلاح الأميركي، مثل بائع خردة شاطر، فقد أبانت عن نوع آخر من الوقاحة، ممزوج بالابتزاز والتهكم من ضيفه الذي أقسط في يده، عندما قال له الرئيس الأميركي موبخا وساخرا، ماذا تعني أربعمائة مليار دولار التي ابتزّها منهم، وطالبه بدفع خمسة آلاف مليار دولار، متبجّحا بأن حماية بلاده السعودية هي التي جعلت منها الدولة الغنية التي هي عليها اليوم!
لا يُعرف إلى متى سيصبر الشعب الأميركي على تحمل الرئيس الذي أبتُلي به، لكن الأكيد أن بقاءه حتى نهاية ولايته، ولا قدّر الله في حالة التجديد له كما يطمح، سيؤدي إلى كارثة لا محالة، ليس فقط على أميركا وإنما على العالم. ألم يبتزّ ترامب شعبه، وبكل وقاحة، عندما خيّرهم بين استمراره هو في الحكم وتفقيرهم! إنه خيار شمشون الجبار، والساذج في الوقت نفسه، الذي كانت قوته سببا في فنائه ونهايته، عندما هدم المعبد عليه، وعلى أعدائه، من فرط غبائه. تحوّلت صرخة شمشون اليائسة "عليّ وعلى أعدائي" إلى فلسفة وأسلوب حكم عند طغاةٍ كثيرين دمّروا بلدانهم وأهلكوا شعوبهم.. وترامب ليس بعيدا عن دخول سجل هؤلاء.