لم يتصدر الفنانون السوريون، نجوم الصف الأوّل، الشاشات هذا الموسم بسبب غيابهم الرمضاني، مثل سلاف فواخرجي وعباس النوري وشكران مرتجى وأيمن رضا. كما اقتصر بعضهم على ظهور بسيط، كأمل عرفة في "حارس القدس"، وسلافة معمار في ثاني أجزاء "حرملك"، وعبد المنعم عمايري في "نبض"، وغيرها من الأسماء المهمة التي ترافقنا كل رمضان.
وبالتالي، لم تستقطب غالبية الأعمال نجوماً مهمين باستثناء "سوق الحرير" في جزئه الأول، الذي اتكأ نصُّه على وجود النجوم فيه أكثر من السيناريو بحد ذاته، وذلك لِما فيه من ضعف: إذْ غلب "الأداء الورقي" المكتوب والحوارات، لتكون النتيجة نجاحاً جماعياً مع النجوم، وليس مع القصة بحد ذاتها. حتى "حرملك" لم يحافظ على نجومه، بل سقطوا واحداً تلو الآخر، وبقيت البطولة لعدة أبطال أساسيين، وأصابَ القصَّة ضعف واضح واختلال. لكن، ربما كانت هذه الحالة السيئة بالنسبة للنجوم، هي جيّدة على صعيد آخر، إذْ برزت مجموعة من الممثلين الشباب السوريين على السطح بشكل أكبر، رغم تهلهل الموسم بأكمله، واستطاعوا تحقيق دور مهم في أعمال العام، ليكملوا مسيرتهم بخُطى ثابتة.
عدة أسماء من الشباب السوريين، خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، أو من الموهوبين، كان لهم أثرٌ بارزٌ في موسم رمضان. ومنهم إيهاب شعبان الذي لعب دور المطران هيلاريون كبوجي في مسلسل "حارس القدس"، إذْ أدى إيهاب الدور بحرفية عالية، ولم يخسر جهده الذي بذله في الموسم الماضي، بعد نجاح كبير حققه في مسلسل "مسافة أمان"، بل لعب الشخصية بإتقان وهدوء، في مرحلة الشباب من حياة المطران. واشتغل شعبان على تفاصيل الصوت والحركة والأداء، ليلبس شخصية المطران بشكل جيد، ولو أن ظهوره اقتصر على عدة حلقات، ثم حلّ محلّه رشيد عساف ليكملَ الدور حتى النهاية.
وفي "مقابلة مع السيد آدم"، استطاع الفنان الشاب لجين إسماعيل تحقيق التوازن في دوره الجديد، وذلك في بطولة أخرى يلعبها مع مجموعة من الفنانين السوريين، أبرزهم غسان مسعود ورنا شميس. وكان لجين قد لعب في موسم 2019 دور ابن عربي في مسلسل "مقامات العشق"، ونجح في الأداء، ليكرِّر نجاحه في الدراما الاجتماعية البوليسية هذه المرة، من خلال حكاية الزوج المخدوع بزوجته، والذي يتورط معها في جريمة قتل تمسُّ عائلته، ليكشف لجين عن موهبة مميزة صَقَلَها قبلاً في المعهد العالي للفنون المسرحية.
وبعد دورها في مسلسل "الواق واق"، تثبت سوزانا الوز أنها تستحق أن تكون في مجال التمثيل. إذْ أطلت بشخصية لطيفة في العمل لم يلعبها كثيرون حتى الآن، وهي "يوتيوبر" تبحث عن الأموال عن طريق برنامج خاص تقدِّمه على قناتها، يورّطها في الجريمة، لتنقلب شخصيتها من منفتحة إلى خائفة متوترة ومتقلبة. كما كان لها دورٌ في "حارس القدس" بشخصية الفتاة الوحيدة مبتورة الساق، والتي تبحث عن شخص يساعدها في محنتها داخل حلب الباقية على أنقاضها. ومن العمل نفسه، قدّم مصطفى المصطفى شخصيَّة ملفتة في تاريخه الفني، مع انفعالات حقيقية أداها بشكل مميز لا يمكن تجاهله. فكان الشاب الخاضع لأوامر خاله في تنفيذ الجرائم التي يفعلها، الوفي للطفلة "حياة" التي ماتت بين يديه، وتقدّم مصطفى بهذا الدور أشواطاً نتيجة أدائه له بتقنيَّة عالية.
وفي "بروكار"، ورغم ضعف النص، تصدرت الفنانة الشابة زينة بارافي المشهد في ثنائية جمعتها مع الفنان الشاب يزن خليل. وإجمالاً، هذه ليست المرة الأولى التي تتصدَّر فهيا زينة بطولة عمل. إذْ كانت بطلة "ياسمين عتيق" في عام 2013، ليأتي هذا الدور أيضاً ويقدّمها كمحور أساسي في العمل، خصوصاً أن الأحداث كلَّها تدور حولها، بعدما وقفت في وجه الجنود الفرنسيين الذين حاولوا الاعتداء عليها. وخلقت ثنائيَّتها مع يزن خليل حالة جميلة عند المُشاهد، خصوصاً أن يزن شاب محترف في الأداء، وقدّم، وما زال يقدم، أهم الأدوار بحالات مختلفة لا تشبه بعضها بعضاً، وكما أطلّ بدور متميز في "سوق الحرير"، تناغمَ مع زينة في "بروكار" بشخصية الدكتور "عصمت"، وظهرا كعاشقَين تركا بصمةً عند الناس، رغم ضعف العمل من ناحية القصة إجمالاً.
وحضر أنس طيارة في مسلسل "أولاد آدم" بشخصية كانت مُهمَّشة في البداية، لكنها انتفضت في ما بعد على الصديق المقرب "غسان"، بعدما اكتشف أنَّه يبتز النسوة والفتيات اللواتي يقيم معهنّ علاقات جنسية، فينتزعه من حياته ويرميه خارجاً بعدما استنجدت إحدى ضحيَّات صديقه القاصر به. وترك أنس تأثيراً، رغم الدور البسيط، وبصمةً حاضرة أسسها أكثر في العام الماضي بدوره في مسلسل "عندما تشيخ الذئاب". ولعبت رشا بلال شخصيتين مختلفتين في عملين مختلفين لتبرز موهبتها بهما بشكل واضح. ففي "الساحر" كانت الغجرية العاشقة "لمينا"، والتي لا تستطيع أن تترجم عشقها له لبعد المسافات الطبقية بينهما، بالإضافة لـ"أمينة" في "حرملك" التي تصنع خاناً خاصاً بها وتصبح سيدته. وفي كلا الدورين، كانت رشا حاضرة بذكاء، وأدت أدوارها بتفاصيل جديدة عليها إجمالاً، ونجحت في انتشار أوسع قدَّمها بصورة مختلفة.
الأسماء الشابة كثيرة حقيقةً، لكننا ذكرنا أبرزها حضوراً هذا العام، ليثبت الكثير من الشباب السوريين من خريجين وموهوبين، أنهم قادرون على تثبيت مواقعهم في الخريطة الدرامية الجديدة، وليشكّلوا خطوات قادمة ربما تكون أفضل بكثير لدراما متخبطة، تتأرجح بين الضعف والتكرار والقوة والانتشار.