الدراجة الهوائيّة وأساطير الذكورية

23 مايو 2016
أشيع أنَّ ركوب الدراجة لا يلائم تكوين المرأة (Getty)
+ الخط -
عُرفت الدراجات الهوائية في القرن التاسع عشر، وانتشرت بصورة كبيرة في المجتمعات الغربية لدرجة أنها صارت وسيلة مواصلات رئيسية في أجزاء عديدة من العالم. ساعد على ذلك سهولة استخدامها وتخزينها، وقدرتها الكبيرة على المناورة في الشوارع المزدحمة، إضافة إلى أنها وسيلة رياضية وصديقة للبيئة، ولا تستهلك وقوداً.

وتقدر أعداد الدراجات في العالم بحوالى مليار دراجة، بمعدل درّاجتين لكل سيارة. سرعان ما تحولت الدراجة من لعبة للفتيان إلى وسيلة للانتقال، ولكن يبدو أن إقبال الفتيات آنذاك على ركوب الدراجة، كان أمراً مزعجاً للمجتمع الذكوري، لدرجة أن السلطات الحاكمة في نيويورك قامت بطباعة مجموعة من القواعد والاشتراطات والنصائح للإناث الراغبات في قيادة الدراجة سنة 1895 مثل: "لا ترفضي المساعدة عند صعود تل"، و"لا تحاكي تصرف أخيك إذا كان يركب دراجته واقفاً".

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد وظف الجميع جهودهم، لثني المرأة المتحررة من القيود الاجتماعية الموروثة، عن ركوب الدراجة الهوائية. كما أشاع الأطباء مجموعة من الأساطير التي تحذر من إقبال الإناث على ذلك، باعتباره نشاطاً غير ملائم لتكوين المرأة، وأنه قد يتسبب في العديد من الأمراض مثل الإرهاق والأرق وخفقان القلب والصداع والاكتئاب.


ولما كانت طبيعة الأنثى تميل إلى البحث عن الأناقة والجمال؛ ابتكر أطباء القرن التاسع عشر كذبة تتعلق بتأثر بشرة وجه المرأة سلبياً إذا اعتادت ركوب الدراجة الهوائية، وأطلقوا على ذلك المرض اسم "وجه الدراجة" (Bicycle face). فزعمت مجلة "دايجست" سنة 1895، على لسان أطباء أن أعراض وجه الدراجة تتمثل في شحوب واحمرار الوجه وذبول الشفتين، وظهور ظلال داكنه أسفل العينين، وانتفاخ العينين، وشد في عضلات الفك، وسيطرة علامات الإرهاق على الوجه. وهي بلا شكّ أعراضٌ مفزعة لأيّ فتاة طبيعية.

ثم فُسرت تلك الأعراض بأنها تعود إلى الإفراط في الجهد، والجلوس في وضع رأسي على العجلة، والجهد المبذول دون إدراك للحفاظ على التوازن. ومع نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الأطباء الموضوعيون يتساءلون علناً عن الضرر الحقيقي من مسألة وجه الدراجة، ورجحوا أن التغيير في الوجه بسبب التركيز والقلق أثناء قيادة الدراجة، لا يؤدي لضرر دائم بالوجه. وسرعان ما اندثرت هذه الأساطير مع مطلع القرن العشرين، مع ارتفاع سقف الحرية النسوية، وتنامي مشاركاتها العامة في المجتمع الغربي.

المساهمون