الخيبة الإسرائيلية بعد الضربة الثلاثية: التصعيد ضد إيران سيتعاظم

15 ابريل 2018
سيّاح في موقع عسكري بالجولان المحتل أمس السبت(فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من تأخّر صدور موقف إسرائيلي معلن من الضربة التي وجهتها فجر أمس السبت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضدّ أهداف لنظام بشار الأسد، إلا أنه يمكن القول إنّ حجم الضربة المحدود جداً وطابع الأهداف التي طاولتها، قد خيّبا آمال صناع القرار في إسرائيل، ناهيك عن أنهما نسفا رهاناتهم على دور هذه الضربات في إحداث تحوّل في البيئة الإقليمية، بشكل يحسّن من قدرة تل أبيب على تحقيق مصالحها الاستراتيجية. فقد راهنت الأخيرة على أن تحمل الضربة الأميركية الأوروبية في طياتها رسالة واضحة لإيران، بأنّ الغرب يساند موقف إسرائيل الرافض السماح لطهران بمراكمة نفوذ عسكري داخل سورية، وذلك من خلال تصميم هذه الضربات، بحيث تستهدف القواعد العسكرية التي يتواجد فيها الإيرانيون وعناصر المليشيات الشيعية. في الوقت ذاته، فإنّ طابع الاتصالات التي جرت بين روسيا وكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عشية الضربة، ومجاهرة قادة الجيش الأميركي بالحرص على تجنّب أي مسّ بالأهداف الروسية في سورية، أقنعا إسرائيل بأن هذه الضربة، وبخلاف رهانات بعض محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب، لن تفضي إلى إضعاف مكانة روسيا في سورية بحيث يدفعها ذلك إلى إعادة تقييم موقفها من الوجود الإيراني هناك. إلى جانب ذلك، فإن التسريبات التي أشارت إلى تحفّظ وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس على توجيه الضربة لنظام الأسد، أظهرت للقيادة الإسرائيلية أن البيئة الداخلية لصنع القرار الأميركي لا تساعد الرئيس دونالد ترامب على تبنّي قرارات تجاه سورية تلتقي مع المصالح الإسرائيلية.


ومن الواضح أنّ محدودية الضربة للنظام، توفّر ظروفاً تسمح لترامب بتنفيذ قراره القاضي بسحب القوات الأميركية من سورية، وهو القرار الذي حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثنيه عنه. من ناحية ثانية، فإن محدودية الضربة تضفي مصداقية على مواقف بعض المشككين داخل تل أبيب بمواقف ترامب النهائية من الاتفاق بين القوى العظمى وإيران بشأن مستقبل برنامجها النووي. فقد حذّرت قيادات عسكرية واستخبارية ونخب أكاديمية إسرائيلية من أنه حتى وإن انسحب ترامب من الاتفاق النووي، فإن هناك شكوكا كبيرة حول جديته في توفير سياقات تضمن إسدال الستار على برنامج طهران النووي للأبد.

من هنا، يمكن الافتراض أن طابع الضربة الأميركية الفرنسية البريطانية ضد مواقع لنظام الأسد، سيعزز من قوة الإجماع النادر بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، على مواصلة استهداف الوجود العسكري الإيراني في سورية بكل قوة، حتى في ظلّ وجود مخاطر باندلاع مواجهة شاملة.



وإن كان رئيس الموساد، يوسي كوهين، هو الذي برز قبل 8 أشهر من بين قادة الأجهزة العسكرية والأمنية في دعوته لوضع استهداف الوجود الإيراني في سورية على رأس أولويات إسرائيل، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤكّد حالياً أنّ هذا الموقف بات محل إجماع داخل الجيش والأجهزة الاستخبارية، وهو ما دفع المجلس الوزاري المصغّر لشؤون الأمن إلى إصدار تعليماته بشن الغارات الأخيرة على القاعدة العسكرية الإيرانية في مطار "تيفور" في محيط مدينة حمص السورية، وهي الغارات التي كانت أكثر جدية بكثير مما حاول نظام الأسد وروسيا تصويرها.


ومما يعزز من الدافعية لمواصلة التصعيد ضدّ الوجود العسكري الإيراني في سورية، هو انطلاق تل أبيب من افتراض مفاده أنّ القدرات الحربية لإيران في سورية، سواء على صعيد الإمكانيات العسكرية أو القوى البشرية، لا تسمح لها بفتح مواجهة مباشرة مع إسرائيل كردّ على ضرب أهداف طهران هناك.

وعلى الرغم من أن إسرائيل تجاهر بأنّ إيران بإمكانها أن تهدّد مصالحها بشكل جدي من خلال الإيعاز لـ"حزب الله" بفتح مواجهة معها انطلاقاً من لبنان، إلا أنّ تل أبيب تعي في الوقت ذاته أنّ الحسابات الداخلية تجعل قادة الحزب يتجنبون هذا الخيار، خصوصاً عندما تكون المبادرة بفتح مواجهة مع تل أبيب رداً على عمليات لإسرائيل في العمق السوري.

ومما يضفي صدقية على الفرضية الإسرائيلية، حقيقة أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله الذي ألقى خطاباً يوم الجمعة الفائت، تجنّب بشكل واضح توجيه تهديد مباشر لإسرائيل، واكتفى بالقول إن استهداف "تيفور" جعل إسرائيل في مواجهة إيران.

وإن كان المسؤولون الإسرائيليون قد واصلوا التهديد بالاستمرار في العمل على إحباط الوجود العسكري لإيران في سورية حتى بعد المكالمة الهاتفية بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي تمت بعد استهداف مطار "تيفور"، فإن هذا يدلل على أنّ تل أبيب تقدّر بأنّ موسكو لن تحطّم قواعد الاشتباك الحالية في سورية رداً على عمليات إسرائيلية. وستمثّل ردة الفعل الروسية على أي غارات تنفذها إسرائيل مستقبلاً ضد الوجود الإيراني، اختباراً لمدى جدية الافتراض الإسرائيلي هذا.

المساهمون