الخميني وأميركا ..

06 يونيو 2016

تواصل غير معلن بين الخميني وواشنطن (8 نوفمبر/1978/Getty)

+ الخط -
كشفت وثائق سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية نشرتها "بي بي سي" تزامناً مع الذكرى 27 لوفاة آية الله الخميني، عن محادثات سرية جرت بين مؤسس الجمهورية الإيرانية والإدارة الأميركية قبيل تسلمه إدارة البلاد في 1979 بعد إطاحة حكم الشاه رضا بهلوي، وأشارت تلك الوثائق إلى تعهد الخميني بـ"المحافظة على مصالح واشنطن واستقرار المنطقة، في مقابل فسح الطريق له لتولي مسؤولية البلاد".
وقد هاجم مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، في كلمةٍ ألقاها في مراسم إحياء الذكرى السنوية لرحيل الخميني، ظهور تلك الوثائق، مشيراً إلى أن "الإعلام البريطاني يختلق الوثائق ضد الإمام الخميني باستخدام وثائق أميركا التي لا تمتنع حتى عن استهداف طائرة ركاب".
لا تكشف وثائق المخابرات الأميركية فقط عن الاتصالات التي جرت إبّان الثورة، بل قبل ذلك بكثير، حيث تشير إلى محادثاتٍ جرت بين الخميني والرئيس الأميركي جون كينيدي، في تبادل رسائل سرية بعد أشهر من الإفراج عن الخميني نفسه من السجن في إيران، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1963، طالب فيها بألا "يفسر هجومه اللفظي بطريقة خاطئة، لأنه يحمي المصالح الأميركية في إيران".
وتكشف الوثائق أن الخميني، وبعد العودة إلى إيران بعد قضاء 15 عاماً في المنفى في باريس، بعث رسالة شخصية أولى إلى البيت الأبيض، يؤكد فيها رغبته في إقامة علاقة صداقة مع الولايات المتحدة، ويدعو الإدارة الأميركية إلى عدم الشعور بخسارتها حليفاً استراتيجياً.
لا تقدم الوثائق الأميركية التي تم الكشف عنها، أخيراً، جديداً في علاقات الخميني ونظامه بالإدارات الأميركية المتعاقبة، فقد كشفت أحداث الثورة، وما تلاها، عن وجود علاقات خاصة بين الخميني وواشنطن سمحت بنجاح الثورة الإيرانية وعدم استخدام القوة المسلحة ضدها، كما حدث، مثلاً، في ثورات الربيع العربي الحالية التي تحولت إلى حروب أهلية وانقلابات عسكرية.
وقد أفادت وثائق دبلوماسية نشرها المؤرخ أندرو سكوت، في صحيفة الغارديان البريطانية منذ سنوات، بأن واشنطن منعت الحرس الإمبراطوري الإيراني من القيام بانقلاب عسكري سنة 1979، ما مكن الخميني من الوصول إلى السلطة، فقد أرسلت واشنطن مبعوثها الخاص، الجنرال روبرت هايزر، الذي كان يشغل منصب نائب قائد القيادة الأميركية الأوروبية إلى طهران، من أجل حث الحرس الإمبراطوري على عدم الانقلاب على حكومة الثورة.
لم يتوقف التعاون بين الخميني وواشنطن عند التنسيق السري، بل ظهر إلى العلن في تعيينه وزراء يحملون الجنسية الأميركية في حكومة الثورة، أبرزهم الدكتور إبراهيم يزدي، الذي تم تعيينه نائباً لرئيس الوزراء في شؤون الثورة ومتابعتها، ثم وزيراً للخارجية فيما بعد. وقد كان قبل الثورة يعمل مستشاراً سياسياً للخميني خلال منفاه في باريس، ومن أقرب المقربين إليه.
ولم يكن يزدي الأميركي الوحيد في النظام الجديد، بل كان كل من "أمير انتظام" وزير الدولة والناطق الرسمي باسمها و"دكتر جمران" وزير الدفاع، يحملان الجنسية الأميركية.
وهناك شواهد أخرى كثيرة تدل على أن الثورة الإيرانية كانت بدعم وتأييد من واشنطن، وأن الخميني لم يكن إلا مجرد شاه جديد في إيران، ولكن بعباءة دينية تتناسب وظروف الوضع الجديد. من هذه الشواهد الحرب الإيرانية العراقية، التي فجرها الخميني بإصرار عجيب، حيث يوضح المؤرخون أن الحرب كانت ضمن التخطيط الأساسي لدعم إسرائيل، حيث كان الهدف منها إضعاف العراق الذي كان يعد أقوى دول المجابهة عسكرياً، بعد خروج مصر من ساحة الصراع، بعد توقيعها اتفاقية السلام.
ولعل المساعدات التي قدمتها واشنطن وتل أبيب لطهران في هذه الحرب لا تعد ولا تحصى، وأهمها صفقات الأسلحة التي عرفت بفضيحة "إيران كونترا" التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، اتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة المتطورة.
ربما، من هنا، يمكن أن نعرف لماذا لم تقم تل أبيب أو واشنطن بتوجيه ضربات عسكرية لطهران (كما حدث مع العراق مثلاً)، طوال تلك الفترة التي شهدت هذا التحالف السري، والذي كان مغلفاً بصراع علني، انتهى بالاتفاق النووي العام الماضي، الذي حوّل هذا التحالف السري إلى تحالف علني.
avata
أحمد فودة

كاتب مصري