البرازيل.. قصة انقلاب أخرى

16 مايو 2016

تحالف الفساد واليمين عزل الرئيسة ديلما روسيف (أ.ف.ب)

+ الخط -
تعيش البرازيل، هذه الأيام، قصة انقلاب جديدة، بطلها تحالف قوى الفساد الداخلية وتيار اليمين مع قوى الاستعمار الغربية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تضررت مصالحها كثيراً بوصول قوى الاستقلال، بقيادة لولا دي سيلفا إلى رئاسة البرازيل مع بداية الألفية الجديدة، وسعيه إلى تحقيق استقلال حقيقي لبلاده عن الهيمنة الأميركية، وهو ما تحقق بالفعل طوال سنوات حكمه الثماني، وما تلاها بعد انتخاب ديلما روسيف التي جرى عزلها، أخيراً، بواسطة البرلمان، وبدعم من الإعلام والقضاء الذي يسيطر عليه اليمين الذي أدرك، جيداً، أن عودته إلى السلطة لن تكون سوى بتنفيذ هذا الانقلاب.
بدأت القصة مع انتخاب دي سيلفا عن حزب العمال، ليقود تحولاتٍ كبرى في الاقتصاد والسياسة، أدت إلى تحقيق استقلال حقيقي للبرازيل عن السيطرة الأميركية، فقد استطاع تحقيق طفرة اقتصادية، خصوصاً بعد اكتشاف حقول نفط في عام 2007، تعد الأكبر في أميركا اللاتينية، وتبني برامج لمواجهة الفقر وتردّي حالة التعليم والصحة في البلاد، الأمر الذي ترتب عليه خروج برازيليين كثيرين من قبضة الفقر، حتى أن مجلة إيكونوميست تنبأت بأن تكون البرازيل من أكبر خمسة اقتصادات في العالم بحلول 2025.
بطبيعة الحال، كان استمرار هذا الوضع يعني أن تخرج البرازيل من قبضة واشنطن إلى الأبد، خصوصاً بعد دخول الصين، وقوى أخرى، إلى سوق النفط البرازيلي، في وقتٍ رفضت فيه حكومة البرازيل أن تتشارك شركات البترول الغربية كعكة النفط البرازيلية. وكذلك الأمر بالنسبة لليمين البرازيلي الذي تحوّل إلى أقليةٍ معارضةٍ في ظل حكم دي سيلفا وروسيف. لذا، كان لا بد من التحرّك، وإنهاء دور تيار الاستقلال البرازيلي، عبر خطة محكمة، يشترك فيها القضاء والإعلام والبرلمان، ويتم فيها توجيه اتهامات بالفساد إلى مؤسسي هذا التيار وقادته، دي سيلفا وروسيف.
وجاء انخفاض أسعار النفط ليمثل الظرف الملائم لتنفيذ الخطة، خصوصاً وأن هذا الانخفاض أدى إلى تراجع البرامج الحكومية لمواجهة الفقر، وتباطؤ نمو الاقتصاد البرازيلي، وبالتالي، تراجع شعبية تيار الاستقلال، بقيادة ديلما روسيف رئيسة البلاد.
بدأت الخطة على أرض الواقع بدفع شخصيات إلى وسائل الإعلام لتوجيه اتهامات بفساد مسؤولين كبار، تلقوا رشاوى، وشاركوا في غسيل الأموال تحت مظلة شركة النفط البرازيلية "بتروبراس". ثم بدأ القضاء دوره بفتح تحقيق في القضية، واستدعى كبار العاملين ومسؤولي النفط في البرازيل، بل وقياديي حزب العمال الحاكم، في عملية سُميت "غسيل السيارة". وقد تم إرسال كثيرين إلى السجن بسبب القضية، حتى وصل الأمر إلى رئيس البرازيل السابق نفسه، دي سيلفا، ليتهمه بالمشاركة في فساد الشركة، ومن ثم يأمر الشرطة بالقبض عليه في مارس/ آذار الماضي، والتحقيق معه خمس ساعات قبل إطلاق سراحه.
وعلى الرغم من أن غالبية الكوادر السياسية الضالعة في قضية الفساد تلك من خارج الحزب الحاكم، وعلى الرغم من أن القضاء البرازيلي لا يملك أية أدلة حقيقية تدين دي سيلفا أو ديلما، إلا أن البرلمان نجح، بمساعدة القضاء والإعلام، في تثبيت التهمة، وبالتالي عزل روسيف من منصبها.
إسراع تحالف الفاسدين واليمين البرازيلي مع الولايات المتحدة إلى عزل روسيف يأتي بسبب التطورات التي تلت اعتقال دي سيلفا، حيث أعلن، بعد انتهاء التحقيق معه، أن المعركة باتت بين تيار الاستقلال والقوى الرجعية التي تريد عودة البرازيل إلى حضن التبعية الأميركية مرة أخرى. ولذا، قرّر أن يخوض الانتخابات الرئاسية في 2018، على الرغم من إعلانه، قبل ذلك، اعتزال الحياة السياسية. وغير هذا الإعلان قواعد اللعبة التي كانت تقوم على إضعاف روسيف، حتى نهاية مدتها، والسيطرة عليها، تمهيداً للانتخابات المقبلة التي يعد لها اليمين للفوز فيها، خصوصاً في ظل عدم ترشح روسيف الضعيفة، ودي سيلفا القوي والمعتزل.
هنا، كان لا بد من التحرك سريعاً، والانقضاض على السلطة في انقلاب ناعم جديد، في بلد آخر من بلدان العالم الثالث، حيث يرفض الفاسدون فيه وتجار السلطة ممن يلفظهم الشعب أن تحصل البلاد على استقلالها الحقيقي.

avata
أحمد فودة

كاتب مصري