الخلافات الأوروبية تطغى على مؤتمر ميونخ للأمن وماكرون "نفد صبره"

16 فبراير 2020
اختلافات في الأولويات الفرنسية الألمانية (كريستوف ستاشي/ فرانس برس)
+ الخط -

عبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، السبت، عن "نفاد صبره" من نقص تفاعل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، مع الفكرة الأوروبية ومع مشاريعه الإصلاحية بشأن أوروبا، مؤكداً بذلك الإشكالات التي تعاني منها علاقة الزعيمين منذ أشهر.
ولدى سؤاله خلال مؤتمر ميونخ السنوي حول قلة الحماسة التي تلاقي بها برلين مقترحاته في السنوات الأخيرة، أجاب "لست محبطاً، ولكن صبري ينفد".


ودعا إلى "أجوبة صريحة" من الثنائي الفرنسي-الألماني في ظل الانكفاء الأميركي وتوسع الصين، قائلاً إنّ "الحل في السنوات المقبلة يكمن في التقدم بشكل أسرع في ما يخص عناصر السيادة الأوروبية" على غرار الدفاع، بينما تبدو المستشارة الألمانية حذرة جداً حتى الآن بالخصوص بسبب اعتياد ألمانيا على الانضواء ضمن حلف شمال الأطلسي منذ إنشائه عقب الحرب العالمية الثانية والتقليد المسالم الموروث نتيجة الفظاعات النازية.
"ديناميكية" جديدة
وحث ماكرون على اعتماد "دينامية جديدة للمغامرة الأوروبية" في ظل التشكيك المتزايد، في وقت تلاقي برلين ببرود مقترحاته الهادفة إلى بناء أوروبا "قوية" و"سيّدة". وتؤكد صراحة مواقفه أنّ العلاقة مع المستشارة الألمانية لم تعد، منذ مدة، على ما يرام. غير أنّ مساريهما السياسيين لا يتشابهان. فالمستشارة الألمانية تقف في نهاية حكمها، وتواجه المزيد من الأصوات المعارضة لها ضمن حزبها المحافظ بعد 15 عاماً على رأس هرم السلطة، كما أنّها ترأس ائتلافا حكوميا هشا مع الاشتراكيين-الديموقراطيين. ولا تمتلك هوامش مناورة على الصعيد الداخلي تتيح لها إطلاق إصلاحات كبرى.


وسبق للنائب الأوروبي القريب من ماكرون، باسكال كونفين، أن قال مؤخرا في حديث لصحيفة "دير شبيغل" الألمانية "لم تعد تصدر عن برلين أي فكرة". أما ماكرون، فيعدّ مسؤولا سياسيا شابا وغالبا ما يثير مزاجه الذي يوصف في الكواليس بالطائش الغضب في برلين. وهو يقف أمام مستشارة مشبعة بثقافة التسويات الألمانية وباتت أستاذة في فن الصبر السياسي.
وكانت تصريحات ماكرون المفاجئة في نهاية 2019 حول "الموت الدماغي" لحلف شمال الأطلسي ووجوب أن تمسك أوروبا بمصيرها على الصعيد الدفاعي، أثارت غضب المستشارة.
ردع
ومنذ تلك الفترة، سعى الرئيس الفرنسي إلى الطمأنة عبر التأكيد على أهمية الإبقاء على رابط قوي مع الولايات المتحدة. كما أنّه أبدى الرغبة في انفتاح الردع النووي الفرنسي على ألمانيا، عبر المشاركة في تدريبات مشتركة. وأعرب المسؤولون الألمان بلطف في مؤتمر ميونخ الجمعة عن استعدادهم لـ"اغتنام فرصة الحوار" مع فرنسا. غير أنّ وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب-كارينباور أثارت شكوكاً السبت من خلال خشيتها من إضعاف حلف شمال الأطلسي.


وقالت "ما زلت أقول إنّ حماية (ألمانيا) مؤمنة من خلال المظلة النووية للولايات المتحدة". وحول هذه النقطة، حث ماكرون ألمانيا على تجاوز العراقيل. وقال "بنينا أوروبا على التخلي عن القوة العسكرية الألمانية"، ونتيجة لذلك "ترسخت في ألمانيا فكرة أنّه بالإمكان الحديث عن (المظلة النووية) الأميركية، ولكن ليس عن (المظلة) الأوروبية أو الفرنسية".
وأشار ماكرون إلى برلين بالقول إنّ "معادلة القوة لا يمكن أن تقام فقط من خلال الولايات المتحدة". كما أن الخلافات بين باريس وبرلين حول مسألتي الاستثمارات الحكومية في أوروبا والموازنات، كان لها أثر على العلاقات بين العاصمتين.


وانتقد ماكرون بشكل غير مباشر الإدارة المفرطة في التشدد، بضغط من ميركل، للأزمة المالية في أوروبا عام 2008، معتبراً أنّه جرى إيلاء أهمية كبرى لخفض النفقات العامة وتنظيم القطاع المصرفي، في خليط "مجنون" أوصل برأيه إلى يأس "الطبقات المتوسطة" الأوروبية وصعود الشعبوية.
وفي سياق آخر، أعلن ماكرون في ميونخ عن استعداد باريس للتراجع المشروط عن معارضتها لبدء مفاوضات انضمام ألبانيا وجمهورية مقدونيا الشمالية إلى الاتحاد الأوروبي. وكان هذا الملف الذي تعثر منذ عدة أسابيع، أثار امتعاض الدولتين وشركاء أوروبيين لفرنسا على غرار ألمانيا التي تؤيد توسيع الاتحاد الأوروبي باتجاه البلقان.
حوار استراتيجي
من جهته، قال الأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر الأمن في ميونيخ "لدينا اليوم قوة ردع، إنها قوة الحلف الأطلسي (...) وهي الضمانة الكبرى للأمن في أوروبا". وأضاف أن "الحلفاء الثمانية والعشرين يؤمنون هذا (الردع) كل يوم (...)، الأمر يسير على هذا النحو منذ عقود".


وتابع ستولتنبرغ "نؤمن (الردع) معا مع الولايات المتحدة التي نشرت أسلحتها (في القارة الأوروبية). الأوروبيون يقدّمون القواعد والبنى التحتية".


وكان ماكرون اقترح على الأوروبيين "إجراء حوار استراتيجي" حول "دور الردع النووي الفرنسي" في الأمن المشترك لأوروبا، في طرح قصد من خلاله على وجه الخصوص ألمانيا. وقال إن هذا الأمر يمكن أن يشمل تدريبات مشتركة على الردع، واستخدام قواعد أوروبية من قبل القوات الاستراتيجية الفرنسية.
(فرانس برس)

المساهمون