الخصخصة بوصفها عصا موسى

12 ابريل 2016

هل تجري خصخصة "أرامكو" في السعودية؟ (العربي الجديد)

+ الخط -
في ظل الانطلاق الصاروخي للاقتصاد الصيني، سُحبت سلع استهلاكية كثيرة من جعبة القوى الغربية، فتضاءل تصديرها إلى الدول النامية، لكنها ما زالت تحتكر "الثرثرة"، والوصفات التي تُمرّر على هيئة استشاراتٍ اقتصاديةٍ وإدارية، عبر الشركات الاستشارية الكبرى. وسواءً، شئنا أم أبينا، سيبقى الغرب، مدة غير معلومة، يعطينا قائمةً بالواجب اتباعه في مناحي الحياة، إذا ما رغبنا في التقدم والازدهار، على الرغم من تراجعه الهائل على مستوى المعيشة، جرّاء سياسة السوق المفتوح.
في الآونة الأخيرة، أولى الإعلام الغربي اهتماماً كثيراً لما يدور في عقل صانع القرار الاقتصادي في السعودية، وذلك لمعرفة ما يدور في رأس مُلاك أكبر منتج للنفط من أفكار، سوف تشكل استراتيجية عملٍ لواحدةٍ من أغنى الدول، في الفترة القريبة المقبلة. ولأن الغرب الرأسمالي يسيل لعابه، عند سماع وشوشةٍ، تتطرّق لفتح الأسواق أمام الاستثمار الأجنبي، فإن خبر خصخصة "أرامكو" أتى بمفعول سحري على شهيّة هؤلاء.
التفكير في الخروج من ارتهان الاقتصاد الوطني لسلعة النفط تفكير ايجابي، لكن هذا مرهون بالطريقة التي سيجري العمل على اتباعها لتنويع مصادر الدخل، والآليات التي ستتبعها الدولة للتخفيف من حدّة الاعتماد عليه، مصدراً وحيداً للدخل، وإذا ما كانت خصخصة النفط قد تقود فعلاً إلى تحولٍ اقتصادي كبير، يمكن أن يساعد الدولة على رمي عبء الارتهان للبترول عن كاهلها. نقول ذلك، لأن الحقائق والوقائع تقول إن النفط سلعة متقلبة الأسعار، وهي مصدر ناضب، وإن الحقول الموجودة لم تعد قادرةً على إنتاج المستوى نفسه، وإن حجم الاحتياطات النفطية المعلنة مبالغ فيه، بالإضافة إلى الاستهلاك المحلي المتزايد مع ارتفاع عدد السكان. لكن هذا لا يعني، بالضرورة، أن بيع شركة تشكل العمود الفقري لاقتصاد البلد فكرة صائبة، خصوصاً، ونحن لم نستثمر، طوال العقود الخمسة الماضية، ما يمكن أن يكون بديلاً عنه أو مصدراً مساعداً له.
وإذا كان التركيز قد انصب على خصخصة شركة "أراماكو"، وهذا له ما يبرّره، فإن خبر بيع بقية أصول الدولة لا يقل أهمية عنه، كقطاعي التعليم والصحة. ما يتضح من مقابلات المسؤولين السعوديين، إن للخصخصة جملة أهداف، منها تحصيل مبالغ طائلة (2 ترليون دولار)، تساعد على تأسيس الصندوق السيادي للاستثمار، والذي سيدير ثروات البلد. والهدف الآخر المعلن هو تحسين مستوى الخدمات ورفع كفاءتها. لكن السؤال الملح: هل بالضرورة كل عملية بيع مربحةٌ، وتقود نحو مزيد من الرفاهية على البلد والمواطنين؟ الجواب، ليس بالضرورة. إذن، لا بد من معرفة الاتجاه الذي سوف يسير عليه الاقتصاد الوطني، ومدى تأثيره على الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، لقياس العوائد المتوقعة من هذا البرنامج على الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلد.

ثمة نقاط كثيرة تستحق النقاش، فيما يتعلق بالخصخصة بشكل عام، وبخصخصة المورد الوحيد والأهم في البلد خصوصاً. الأسطورة التي تُنسج من التيار النيوليبرالي تتلخص في أن للخصخصة اتجاه واحد، وهو تصاعدي بالضرورة، ويمكن اختصاره بالتالي: كلما خصخصت الدولة ممتلكاتها تخلصت من النفقات وحسّنت مستوى الخدمات. وكلما نما رأس المال تضاعفت الفرص أمام الشرائح الفقيرة والمتوسطة للاستفادة. في الحقيقة، تضعضعت هذه السردية، في العقد الأخير، بسبب الأزمات الاقتصادية التي مرّت بها الدول التي طبقت هذه النظرية. بل إن نمو رأس المال الناتج عن بيع ممتلكات الدولة لم يؤدِّ إلى زيادة الفرص، وتحسين مستوى المعيشة. بل على العكس، أضعف الدولة الوطنية، حيث فرّغها من عناصر قوتها، ووسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما ضاعف مصاريف الأسر، وقلل من دخل الشرائح الدنيا. في الولايات المتحدة، انخفض دخل الطبقة الوسطى بشكل لافت، في الوقت الذي وصلت فيه حصة 1% من المجتمع، قرابة 25% من الناتج الإجمالي، ولولا تسهيل عملية الإقراض و"فقاعة العقار" التي نتجت عنه لما وجدت هذه الطبقة ما تستطيع صرفه على المنتجات الاستهلاكية.
هناك مجموعة أوهام، تطلق بغرض التغطية على الهدف الرئيسي للخصخصة، منها فتح الباب أمام المواطنين للمشاركة في الثروة الوطنية، من خلال السماح للمواطنين بالاكتتاب في أسهم الشركات الوطنية. لكن الحقيقة المؤلمة أن المواطن لا يستطيع شراء كميةٍ مساوية لأسهم الرأسماليين الكبار الذين يحظون بدعم خاص من البنوك، بحصولهم على تسهيلاتٍ، للمشاركة في الاكتتاب العام، وحتى إذا كانت كميات الشراء متساويةً عند الاكتتاب، فإن المواطن لا يمكن أن يحتفظ بأسهمه، أو أن يزيد حصته بمقدار الكبار نفسه. وعليه، فإن المستفيد الأول والأخير من عملية البيع هم الملاك الجدد، أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة الذين يزدادون غنىً، من خلال تملك حصة في الشركة، ثم من الأموال المتأتية من بيع الخدمات على المواطنين لاحقاً. هذا ما يحدث، غالباً، عند خصخصة التعليم والصحة، فضلاً عن الفجوة الكبيرة التي سيُحدثها تحويل التعليم إلى القطاع الخاص، وذلك لأن الفقراء سيذهبون إلى مدارس الحكومة منخفضة الكفاءة والجودة، في حين يذهب أبناء الأغنياء إلى أفضل المدارس الخاصة، وذلك لا يؤدي فقط إلى عزلة مجتمع الفقراء عن الأغنياء، لكنه يُحدث تفاوتاً حادّاً في جودة الخرّيجين، بما ينتج عنه تفاوت أعظم في الوصول إلى الفرص مستقبلاً. في عام 2012 وصلت تكلفة أفضل مدرسة خاصة في تشيلي 690 دولارا شهرياً، أي ضعفي الحد الأدنى للأجور.
خلاصة الكلام، وهم كثير يجري إنتاجه في مراكز الأبحاث الغربية عن الخصخصة، بغرض تسهيل عبور رأس المال الأجنبي، اللاهث خلف كل سوق جديد، لكن التجارب التاريخية أصدق أنباءً من جميع الدعاوى النيوليبرالية أن بيع أصول الدولة دائماً مربح.















59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"