الخرباوي .. الحق وابن عمه

29 اغسطس 2015
+ الخط -
قد يسأل سائل: كيف صبر ثروت الخرباوي على الموهبة في الكتابة التي نبتت في أنامله، حتى شارف على السبعين، ولم تجد موضوعاً أثيرا لها سوى "الإخوان المسلمين"، وخصوصاً بعد التحضير الكامل لإطاحة محمد مرسي؟ ولماذا لم تقدّر الدولة موهبته حق قدرها، على الرغم من أنه يعمل سياسة وكتابة وانشقاقا ومحاماة من سنوات طويلة، وهل كانت من طموحات الخرباوي أن يسافر إلى روسيا شتاءً، ويرتدي طاقية جلد الدب، أو جلد النمر هناك، مع وفد حكومي؟ فإذا كانت الطاقية تلك من طموحاته الاشتراكية المبكرة، أما كان له أن يشتريها أو يشتريها له أي صديق منشق مثله من أوروبا الشرقية، مثلا، ودعنا من البالطو الآن، فالبلاطي كثيرة في سوق الجمعة.
أما كان لكتاباته، مثلاً، أن تفوز في معارض سمير سرحان، رحمة الله عليه، قبل شبهة المحاباة للسلطة بعد إطاحة مرسي؟ أم أن للموهبة ميعادا كميعاد تشرّخ التين من مؤخرته وفيضانه بالعسل، كي يغري العنادل في البساتين بالسكر والصياح، حينما يتخمّر عسل التين، واضح أن الخرباوي خزّن عسله طويلاً حتى مجيء مرسي.
وقد يقول قائل كيف استطاع الخرباوي أن يتحول إلى كاتب إذاعي، يدخل في عصب الفن والتاريخ أيضا، وينافس مفيد فوزي وعبد العظيم رمضان في ضربة واحدة، ويثبت في مسلسله الإذاعي أن من قتل المطربة الراحلة أسمهان هم الإخوان المسلمون.
ليس عندي مشكلة أمام موضوعية الحق التاريخي أن يثبت الخرباوي، بالأدلة، أن من سلّم فلسطين لليهود هم الإخوان أيضاً، وليس غيرهم. وليس عندي أي مشكلة أن يثبت فضيلته أن من أسباب وفاة الممثل سيف الله مختار، رحمة الله عليه، هم الإخوان أيضا، لأنه كان قبل احترافه التمثيل إخوانياً في السيدة زينب، وانشق هو الآخر.
أعرف أن كسب مساحات الوجود والتحقق في أزمنة الفتن والأهوال صعبة ومؤرقة، ومعذبة لصاحبها أيضا، وخصوصاً لو كان يشتاق ذلك بأي ثمن أو حيلة، وأعرف أن من صبغ الشعر أمام كاميرات الفضائيات صعب له أن يعود إلى فتّة الدراويش، أو مودة الأخوة، وأعرف جيداً مكان من خاصم، ثم فجر في التاريخ، وأعرف أن الناس مساكين، لو فَرَشت لهم السلطة، ولو "كليما" بسيطا في ساحة شعبية أمام فريقين لكرة الطائرة في مدينة، أو حتى قرية تابعة لأي مدينة صغيرة، مثل أبو المطامير أو الحجز قبلي.
وأعرف أن في فتنة الأمين والمأمون قُتل وشنق آلاف العوام، وكثيرا ما أعتبر، أنا شخصياً، جلّ هؤلاء من الشهداء، حتى وإن كانوا قد نجّسوا المساجد في بغداد بحرمة الدم عن جهالة، لأنهم جوعى، والسلطة تغذّي الجوعى كالدجاج، من أجل الذبح في المواسم والموالد، وتاريخنا مليء عن آخره بموالد الدم من عثمان، رضي الله عنه، إلى ما شاء الله، ولكني، أيضاً، أعرف أن أبا حنيفة النعمان حينما دعاه المنصور لتولّي القضاء في بغداد، حينما شرع المنصور في بناء بغداد وسورها، لا لأن يرتدي قبعة من جلد النمر أو الدب ساعات. وعلى الرغم من ذلك، رفض النعمان، وقال للمنصور، أريد فقط أن أعمل في عدّ لبِنات سور بغداد، ولا أريد أن أتولى القضاء، وأصرّ على ذلك، حتى قُتل مسموما في سجنه.
وفي النهاية، قد يكون "الإخوان" هم الذين قتلوا أسمهان، وقد تكون أم كلثوم، وقد تكون المخابرات الألمانية، وقد يكون القصر، وقد يكون خيرت الشاطر هو الذي حاز فلوس البلاد والعباد، وهو الذي قتل الآلاف بآلته العسكرية الخفيّة، وجنوده المنتشرين في اليمن وباكستان وأفغانستان وتركيا وغيرها من البلدان التي خضعت له إبّان خلافته، لكن خيرت الشاطر الآن في السجن ومحكوم عليه بالإعدام، فهوّن عليك، يا أخي، فالشتاء قريب، والطواقي ستأتيك كثيرة، وخصوصاً ونحن على أول الشتاء، والدب الروسي يعد الموائد للمشتاقين للحرب والغدر والسفر.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري