الخدمة العسكرية.. تلك الوجهة غير المحبذة

23 ابريل 2015
أغلب التونسيون الذين تطالهم الخدمة الإلزامية هم من الفقراء(Getty)
+ الخط -

هم شباب في مطلع عقدهم الثاني يلعبون الورق وسط ضجيج وقهقهات متصاعدة من مختلف أركان المقهى.هي لحظات ويصرخ النادل "رافل"، وفي ثوان يختفي جُلّ مَن في المقهى، يختبئ جزء داخل دورات المياه، ويلتحق آخرون بالسطح، ويكون للأوفر حظاً والأكثر سرعة إمكانية الهرب عبر الباب الخلفي. ليس هذا بمشهد من سيناريو مسرحي، بل هو مشهد مألوف في مقاهي الأحياء الشعبية التونسية خلال فترات حملات التجنيد الإجباري.

وتعتبر تونس إحدى الدول العربية، التي تتبنى الخدمة العسكرية الإجبارية، إذ تتراوح مدتها بين عام وعامين.

يقول الخبير العسكري والمتقاعد من الجيش التونسي، مصطفى صاحب الطابع، لـ"جيل العربي الجديد"، "إن نسبة الشباب الذين يؤدون الخدمة العسكرية طواعية قليلة جداً، وهي لا تتجاوز 10 في المائة من جملة المجندين على أقصى تقدير، كما تعاني الثكنات من بنية تحتية سيئة لا تسمح باستيعاب عدد كبير من المجندين".

هكذا إذا يتهرب الشباب من التجنيد الإجباري، ولا يقتصر الأمر على بلد بعينه. يقول صهيب حجاب، وهو ناشط جزائري شاب في مجال الإعلام الإلكتروني لـ"جيل العربي الجديد": "في الجزائر يرفض الشباب التجنيد الإجباري فالسنة التي يقضيها الشاب في الخدمة العسكرية مضيعة للوقت، كما أن هيئة التجنيد الإجباري لا تقدم حوافز لمن يقوم بالخدمة العسكرية".

في المقابل، يقول الأكاديمي أحمد لبيض "إن الخدمة العسكرية لم تقدم كأمر نبيل في دولنا العربية إلا في مراحل التحرير من الاستعمار. ففي الجزائر مثلاً، كان المناضل في الجيش يسمى بالمجاهد، وارتبط التجنيد بالدفاع عن الوطن".

أما جمال، وهو طالب جزائري، وعند سؤاله عن تأديته الخدمة العسكرية أجاب بتوتر:"لا يمكن أن يدافع السجين عن سجانه. ماذا تنتظر سلطة ظالمة ومستبدة من الشباب، أن يضيع سنة من عمره بينما لا يؤدي أبناء الأغنياء الخدمة العسكرية؟ كما أن التجنيد الإلزامي استعمل مطوّلاً كعقاب للشباب المنتفض في وجه الظلم قصد قمعه وإخافته".

والمتابع للواقع العربي، بصفة عامة، يلاحظ أن الخدمة العسكرية بقيت حكراً على أبناء الطبقات الفقيرة التي يصعب عليها الحصول على إعفاء أو التهرب.

أما الطالب التونسي، نبيل، فعلق قائلاً: "يتعلق الأمر بالقناعات، فعندما يشعر شخص ما بأهمية وقيمة ما يقوم به فهو لن يحتاج لإلزامه به، لأنه يصير قضيته التي يتبناها ويدافع عنها. يجب على المؤسسة العسكرية أن تُشعر المواطن بكونه يعيش في وطن يستحق أن يبذل من أجله. عندها فقط تستعيد هذه المؤسسة مكانتها وسنسارع لنكون جنوداً في جيشنا".

هذا في الوقت الذي يضم فيه تنظيم داعش عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب، وبحسب تقرير، لـمركز "سوفان غروب"، صدر منتصف سنة 2014، فإن عدد المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سورية؛ خلال السنوات الثلاث الماضية؛ تجاوز الـ 12000 مقاتل، ويتصدر تونسيو الجنسية عدد المقاتلين الأجانب بـ 3000، والمغاربة بـ 1500، والجزائريون بـ 200 مقاتل. أرقام مفزعة تدعو للتساؤل حول حجم المغريات وطرق التأثير المعتمدة ليترك شاب كل شيء ويلتحق بالمجهول.

محمد إقبال بن رجب، شاب تونسي استفاق ذات يوم على خبر مشاركة شقيقه في القتال في سورية، الأمر الذي دفعه برفقة عدد من العائلات ذات الوضعية المشابهة إلى تكوين جمعية "إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج" سنة 2013.

يقول بن رجب: "صارت الجماعات المسلحة تعتمد أساليب متطورة في التأثير. استقطبوا مؤخراً العديد من المشاهير في المجالات الفنية والرياضية، ومنهم لاعبون في جمعيات معروفة، كالنجم الرياضي الساحلي والترجي الرياضي التونسي. استقطبوا أيضاً مصارعاً تونسياً تحصل على ميدالية ذهبية في حمل الأثقال. إنهم يستقطبون من يعتبرهم جزء من الشباب التونسي قدوة لهم، وهذه إحدى أساليبهم للتأثير، والتي مكنتهم من استقطاب عدد كبير من الشباب".

ويذكر أن مغني الراب التونسي، مروان الدويري، المعروف بـ"إيمينو"، التحق منذ حوالى الشهر بتنظيم داعش بعد فترة قضاها في السجن في تونس بتهمة تعاطي المخدرات.

ويعتبر الباحث في علم الاجتماع والمختص في الحركات الإسلامية، ماهر الزغلامي، أن "لهؤلاء الشباب عداءً تاريخيّاً مع أجهزة الدولة، وخاصة الجهاز الأمني والعسكري، وهم يبررونه بتهميش النظام وإحساسهم بالغربة، وفي المقابل يُمكّنهم الانضمام إلى الحركات المسلحة من تحقيق ذواتهم والإحساس بقيمتهم".


(تونس)

المساهمون