الحياء العام

06 مارس 2015
منع الفيلم في عدد من الدول(مارك رالستون/ فرانس برس)
+ الخط -
من منا لا يذكر عاصفة الجدل التي حدثت في لبنان حين صدر فيلم "هيلب" (Help) وقيام سلطات الرقابة بمنعه؟ وفيلم "تنورة ماكسي" وقيام سلطات الرقابة نفسها باجتزاء بعض المشاهد منه قبل السماح بعرضه على الشاشات المحلية؟

تطول لائحة الممنوعات لدى السلطات الرقابية في لبنان. تتذرع هذه السلطات بأن السبب هو أن هذه الأفلام "ذات محتوى جنسي يخدش الحياء العام". لكن ما هو بالتحديد الذي يخضع لمقصّ الرقابة؟ وما ماهية هذا "الحياء العام" الذي تحرص الرقابة على الحفاظ على "صحّته" بعيداً عن الخدش؟

للوهلة الأولى نظن أن "المحتوى الجنسي" هو حافز السلطات الرقابية لمنع هذه الأفلام. لكن النظر إلى الإعلانات والأغاني المصورة وما فيها من إيحاءات جنسية يجعلنا نسأل أنفسنا: هل تعيش هذه السلطات في حالة نكران أم أنها في حالة انفصام؟ لا هذا ولا ذاك. السلطات الرقابية تعرف جيداً ماذا تفعل. هذه السلطات هي واحدة من أبرز تجلّيات المنظومة الذكورية وتجسيدها. المنظومة الذكورية لا تتوانى عن تكريس صورة النساء كسلعة بطرقها وأدواتها المختلفة: التزويج المدبّر، التزويج القسري، المهر الذي يدفع للنساء عند الزواج، "مقاييس الجمال الموّحدة"، إلخ..

كل هذه أدوات تكرّس "تسليع" النساء وتشرّع التعامل معهن كـ"أشياء" أو "مقتنيات". وليس بعيداً عن ذلك ما تقوم به السلطات الرقابية عن سابق إصرار. ما دامت صورة النساء في الإعلام والإعلان والسينما تبقى في إطار "السلعة"، فلا بأس. لا بأس بنظرهم من أن تظهر أجساد النساء في الإعلانات، وأحياناً دون وجوههن. لا بأس بنظرهم من أن تروّج الأغاني المصوّرة للابتذال، فلا حياء عام يُخدش بسببها ولا من يحزنون.

بازدواجية المعايير هذه، ما هو اذاً مفهوم "الحياء" لدى هذه المنظومة الذكورية وسلطاتها؟ هو ببساطة أي فعل تكون فيه النساء "فاعلات" أو "ناشطات" جنسياً، ولسن مجرّد إيحاء أو صورة أو رمز جنسي. ينشط مقص الرقابة دون تردد وتصبح في خانة "ذات محتوى جنسي يخدش الحياء العام".

بهذا المنطق نفسه قامت كل من إندونيسيا وكينيا والقوقاز، والإمارات العربية المتحدة وكمبوديا، ونيجيريا بمنع الفيلم المثير للجدل الذي صدر مؤخراً "فيفتي شايدز أوف غراي". تعبر هذه الممارسات عن منظومة صنّفت النساء صنفين انطلاقاً من دورهن الجنسي فهن إما "أمهات شريفات" أو "عاهرات". يبقى السؤال: هل تعرف هذه المنظومة الفكرية ومن يحملها ويجسّدها ويمارسها أن أجساد النساء ملك خاص، للنساء وحدهن القرار ماذا يردن أن يفعلن بها؟

(ناشطة نسوية)
المساهمون