بالتزامن مع تحريك جهود استئناف المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، تراجعت نسبياً وتيرة العمليات العسكرية لقوات الجيش اليمني الموالي للشرعية ضدّ مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في بعض الجبهات، ولا سيما مع إصابة رئيس أركان قوات الجيش الموالي للشرعية، اللواء طاهر العقيلي، في مقابل محاولات الحوثيين تجاوز صدمة التراجع الميداني، بالتصعيد المقابل في أكثر من جبهة، بما في ذلك الحدود مع السعودية، في وقت حقّقت الجماعة، بالترافق مع ذلك، انتصاراً سياسياً بانتزاع موقف مؤيد لها من قيادات حزب "المؤتمر الشعبي العام"، الذي يتفكّك بعد مقتل زعيمه علي عبدالله صالح.
وخلال الـ48 ساعة الماضية، وفي تطور لافتٍ، أعلن الحوثيون استهداف طائرتين حربيتين تابعتين لدول التحالف، الأولى سقطت يوم الأحد الماضي في منطقة "كتاف"، بمحافظة صعدة الحدودية مع السعودية، واعترف التحالف بسقوطها، لكنه أرجع أسباب ذلك إلى "خلل فني" وأعلن عن تنفيذ عملية لإنقاذ طياريها، والثانية، أمس الاثنين، إذ أعلن الحوثيون أنهم أصابوا طائرة من نوع F-15 في أجواء صنعاء، قالوا إنها سقطت، قبل أن يتراجعوا في وقت لاحق معلنين إصابتها.
ومنذ بدء عمليات التحالف بقيادة السعودية في مارس/ آذار 2015، يعدّ الدفاع الجوي نقطة الضعف الأبرز بالنسبة للحوثيين وحلفائهم، إذ لم يفقد التحالف سوى عدد محدود من الطائرات على الرغم من العدد الكبير من الضربات الجوية وطول أمد الحرب التي تقترب من ثلاث سنوات. ومن غير المؤكد ما إذا كان الحوثيون قد استطاعوا بالفعل إطلاق صواريخ قادرة على الوصول للطائرات، إلّا أنّ مصادر يمنية قريبة من الجماعة، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن الحصول على أسلحة أو تطوير صواريخ قادرة على استهداف الطائرات، من أبرز أولويات الجماعة، التي أعلنت خلال الحرب عن تطوير صواريخ بالستية وطائرات بدون طيار (تجسسية بالغالب)، إلّا أن ما يتعلق بالدفاعات الجوية لا يزال محلّ شكوك من قبل المتابعين.
وبالتزامن، صعّد الحوثيون أخيراً هجماتهم باتجاه الحدود السعودية، حيث أعلنت الجماعة، أمس، رصد مقتل ستة جنود سعوديين وإصابة خمسة آخرين (اعترفت وسائل إعلام سعودية بسقوط أعداد منهم)، خلال مواجهات وعمليات قنص لمسلحي الجماعة في المناطق الحدودية، وتحديداً على حدود محافظة صعدة وإلى جانبها حجة (شمالي غرب)، من الجانب اليمني، ومناطق عسير وجيزان ونجران من الجانب السعودي. وشمل التصعيد إطلاق صاروخ بالستي على الأقل، يوم الجمعة الماضي، استهدف وفقاً للحوثيين، معسكر "قوة الواجب" في نجران، وأعلن التحالف في المقابل اعتراض الصاروخ.
وعلى صعيد الجبهات اليمنية، وبعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدها الحوثيون خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي في أكثر من جبهة بالبلاد، تراجعت وتيرة زحف الجيش اليمني الموالي للشرعية في الأيام الأخيرة، مع إصابة رئيس الأركان اليمني، طاهر العقيلي، نتيجة لما قالت قوات الشرعية إنه لغمٌ انفجر أثناء مرور السيارة التي تقلّه مع عدد من أبرز القادة الميدانيين والمحليين في مديرية "خب والشعف" بمحافظة الجوف، بما في ذلك محافظ المحافظة اللواء أمين العكيمي، فيما نُقل رئيس الأركان إلى العاصمة السعودية الرياض لتلقّي العلاج، في حين مثّلت إصابته عاملاً نفسياً على الأقل، استفاد منه الحوثيون، وأعلنوا أنه أُصيب بكمين نصبه مسلحو الجماعة.
وفيما تتواصل المعارك والغارات الجوية بوتيرة شبه يومية في الساحل الغربي، لا تزال القوات الموالية للشرعية بدعم من القوات الإماراتية التي تتولّى واجهة عمل التحالف هناك، تحاول التقدّم باتجاه مدينة "حيس" في محافظة الحديدة. ونجح الحوثيون حتى اليوم، على الأقل، بإبطاء وتيرة تقدمها بعد أن سيطرت الشهر الماضي على مناطق واسعة من مديرية "الخوخة" الساحلية، في وقتٍ لم تشهد فيه جبهات المواجهات تقدماً محورياً في الأسابيع الأخيرة، بعد أن حشدت الشرعية العديد من قواتها للتصعيد باتجاه صنعاء.
والجدير بالذكر أن الحوثيين، ومنذ مطلع ديسمبر المنصرم، خسروا مناطق استراتيجية كانت خاضعة لسيطرتهم، أبرزها منطقة بيحان على أطراف محافظة شبوة على حدود محافظة البيضاء، بالإضافة إلى مديرية "الخوخة" الساحلية بمحافظة الحديدة، غربي البلاد، وأخيراً تقدموا بالسيطرة على أحد المواقع الجبلية القريبة من قاعدة "العند" العسكرية (الأكبر في اليمن وتسيطر عليها قوات التحالف)، إلا أن قوات الشرعية أعلنت في وقتٍ لاحق، أنها استعادت المواقع التي تقدّم فيها الحوثيون.
وتتزامن التطورات، التي بدا من خلالها أن الحوثيين يحاولون وقف الانهيارات والخسائر في صفوفهم، بإبطاء وتيرتها على الأقل، مع تحقيق الجماعة انتصاراً سياسياً، تمثل بالاجتماع بالذي عقدته قيادات حزب "المؤتمر" الموجودة في العاصمة اليمنية صنعاء، والموقف الذي خرجت به، وصب في خدمة الحوثيين، على الرغم من الرفض الواسع الذي واجهته الخطوة من أوساط داخل "المؤتمر" ذاته. إلا أنّ الحوثيين نجحوا في نهاية المطاف بقطع خطوة عملية، خلافاً للشرعية والموالين لصالح، الذين التحقوا بها أخيراً، ولم يتمكنوا حتى اليوم من الاتفاق على إطار قيادي، إلى حدّ رفع من وتيرة القراءات التي ترى أن حزب صالح والسلطة في عهده، في طريقه للتفكك في كل الأحوال بعد رحيل رجله القوي والجزء الأكبر من السلطة التي التفّ حولها أعضاؤه.
وتتزامن التطورات الأخيرة مع عودة جهود السلام برعاية الأمم المتحدة، إذ يتواجد نائب المبعوث الأممي إلى اليمن، معين شريم، في صنعاء، والتقى مسؤولين من الحوثيين، فيما تحدّثت مصادر تابعة للجماعة عن أن شريم يحمل رسالة إيجابية عن قرب "السلام العادل والمشرف"، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية بنسختها التي يديرها الحوثيون، عن رئيس حكومة الانقلابيين، عبد العزيز بن حبتور. وتعدّ زيارة شريم بمثابة تحريك للجمود الذي لفّ جهود الأمم المتحدة للسلام على مدى العام الماضي، وتجد زيارته إشارات إيجابية من قبل الحوثيين، على الرغم من أنّ المعطيات في الغالب لا تشير إلى حلّ سياسي قريب في البلاد، بقدر ما ترى أن الوضع ازداد تعقيداً بعد أحداث صنعاء، الشهر الماضي.