الحوثيون واليمن.. أين الدولة؟

30 سبتمبر 2014

تظاهرات في صنعاء مطالبة برحيل ميليشيا الحوثي (28سبتمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

ليس ثمّة ما يدعو إلى التفاؤل في صنعاء. السلطة المافيوية للرئيس علي عبدالله صالح نخرت جسد الدولة والمجتمع اليمني، لثلاثة عقود أو أكثر، والثورة الشعبية اختُطفت في وضح النهار بقرارٍ دوليٍ، حتى ليبدو السؤال "لماذا هناك جماعة خارج الدولة (حوثية)؟" ساذجاً، في مقابل اختفاء تام للدولة، كمؤسسات ناظمة للعلاقات البينية بين المواطنين اليمنيين. فلو لم يكن الحوثيون في اليمن لكان هناك غيرهم، فهناك ألف سبب وسبب للتمرد والثورة، والقفز فوق سلطات الدولة في هذا البلد المُفَّقر.

منذ قيام الثورة اليمنية ورحيل الرئيس صالح، لم يتغيّر الوضع اليمني كثيراً، فباستثناء إسقاط الرئيس ودخول حزب الإخوان السلطة، ظلت الأمور على حالها، بل قد تكون أسوأ مما كانت عليه، بسبب تدهور الوضع الأمني والمعيشي في البلد المُحطم، والمُحاط بأغنى الدول العربية، وقد أتى قرار رفع الدعم عن المحروقات، ليزيد من معاناة الناس، وليضيف للجماعة الحوثية المتمردة ورقةً تعزز بها وجاهة دخولها صنعاء، والاستيلاء على المؤسسات السيادية في الدولة، وفرض شروطها السياسية على النخبة الحاكمة.

منذ لحظة إسقاط الحكومة المركزية في صنعاء، لم تتوقف الاتهامات لإيران بقيادة "الثورة المضادة"، و بالإيعاز لحليفها الحوثي باقتحام العاصمة، بالتواطؤ مع بعض دول الخليج؛ لإبعاد الأحزاب الإخوانية عن الحكم، وكذا الألوية العسكرية المقربة منها في السلطة، والتابعة لعائلة الأحمر المتحالفة مع عبد المجيد الزنداني في حزب الإصلاح، وقد طرح نقاش كثير حول المستفيد إقليمياً من هذه الخطوة الحساسة، وفي هذا التوقيت الحرج، لكن هذا النقاش، على أهميته، يندرج ضمن إطار صراع المحاور في المنطقة، وتسجيل النقاط والمواقف، بين محاورٍ ليس بينها من يولي اعتباراً للتحول الديمقراطي، أو الحالة الاجتماعية للمواطنين، وبالتالي، تغيب عن كثيرين مناقشة أسباب وجود جماعات فاعلة خارج سلطة الدولة، كما هو حال الحوثيين في اليمن، وما آثارها على المجتمع والدولة؟

دعنا، في البدء، نتفق على أن الدولة في اليمن في حالة غياب كامل عن المشهد، وأن جميع الفاعلين السياسيين، بمن فيهم النخبة الحاكمة، هم فاعلون ضمن قبائلهم وجماعاتهم العضوية، مستفيدين من حالة اللادولة في البلد، من أجل الاستحواذ على الموارد الوطنية التي تمكن شيخ القبيلة من توزيع الفتات على أنصاره وممارسة نفوذه على أفرادها. بمعنى آخر، ليست العلاقة القائمة بين الفاعلين السياسيين والأفراد قانونية بين أفراد متساويين، إنما عمودية، تقوم على توزيع الخدمات في مقابل الولاء لقائد الجماعة، وعليه، فإن الدولة اليمنية، وإن كانت حاضرة بالاسم، إلا أنها غائبة بالأدوات والممارسة والمشروع، كأكبر جهاز قادر على توفير الأمن وتوزيع الخدمات على المواطنين، والتي تعتبر، اليوم، الوظيفة الأعلى والأسمى في أي دولة عصرية.

في مثل هذا الحال، يبرز الفاعلون السياسيون من خارج الدولة لتغطية هذا الفراغ الذي خلّفهُ غياب الدولة، فيعود الناس إلى "فطرتهم الأصلية" للتنظّم في جماعات قبلية وعشائرية، من أجل حماية وجودهم، وتأمين لقمة عيشهم، وتحقيق نوع من الاستقرار، أحياناً، وذلك بخوض حروب التوسع، وأحياناً كثيرة، بالانغلاق على الذات، لكن المحصلة النهائية هي نفسها؛ تتقهقر الدولة لصالح الدويلات، وتبقى الجماعات تتصارع في صيغة حروبٍ أهليةٍ على حصاد الموارد، من أجل ضمان بقاء النفوذ، استمرار الجماعة.

الآن، هل يقع اللوم على الناس الذين أنهكم البحث عن لقمة العيش، واللهاث خلف حياة كريمة، فيجري اتهامهم بعدم الولاء للدولة، أم على الدولة التي تركتهم لمصيرهم المجهول، فأعطت بذلك مساحة واسعة لظهور مثل هذه الجماعات.
بالمناسبة، مثل هذه الجماعات في بعض الدول المتقدمة تكون عنصراً مساعداً لتطور دولة الرعاية، فهي تقدم خدمات لمواطنين، لا تستطيع غالباً الدولة الوصول إليهم، لعجزها المادي، أو بسبب طبيعتها الجغرافية، من خلال قيام مؤسساتها الاجتماعية التي تملك الكفاءة والمال بتغطية احتياجات الناس، مثل كنائس ومنظمات مجتمع مدني كثيرة.

لكن، في مثل وضع اليمن، حيث الدولة المدنية لم تُكتشف بعد، وحيث الجماعات السياسية، الفاعلة من خارج الدولة، أقوى سلاحاً ومالاً من الدولة نفسها، فإن وجودها يُشكل خطراً داهماً على الدولة، وقد تشكل عاملاً رئيسياً في تفتيتها مستقبلاً، وإن وجدتْ هذه الجماعة نفسها مضطرةً لسد الفراغ، والقيام بوظائف الدولة بتوفير الخدمات الرئيسية، كالحماية والطبابة والدارسة والمواد الغذائية الأولية لأفرادها من خلال شبكة مؤسساتها المنتشرة في مناطق وجود جمهورها، إلا أن النتيجة النهائية ستكون بين احتمالين، إما الإستفادة من وجود الجماعة لتعضيد الدولة باحتوائها في السلطة، أو لإتمام الإجهاز عليها.

في الختام، لم يولد الحوثيون من رحم المصادفة، بل كانوا نتاجاً طبيعياً لسياسات الإقصاء والتهميش للشمال والجنوب، ولعدم بناء دولة عادلة في اليمن، فالحالة الاجتماعية لم تتغير، بعد الثورة عما قبلها، والناس بفطرتهم يسعون إلى توفير سُبل عيشهم، وتعزيزها، ولن يهتموا كثيراً إذا ما كانت الجماعة الحامية لمصالحهم مُتهمة بالولاء لإيران أو للشيطان.

59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"