الحوار المائي في السودان

10 يوليو 2016
ارتفع عدد سكان الخرطوم إلى 12 مليون نسمة(فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن أحد يتوقّع أنّ بإمكان دولة مثل السودان تضمّ 45 في المائة من مساحة حوض النيل، أن يشكو سكّان عاصمتها من العطش وضعف خدمات الإمداد الكهربائي. وهي العاصمة المبنية على ملتقى النهرين الرئيسيّين، النيل الأبيض والنيل الأزرق، وفوق حوض جوفي ضخم.

كنّا نطمح أن يُنظر إلى حوض النيل كوحدة اقتصادية متكاملة ومتماسكة وأن تتخصص كلّ دولة من دول الحوض في مجالٍ. فتنتج إثيوبيا الكهرباء لكلّ دول الحوض، ويتولى السودان الإنتاج الزراعي، ومصر الإنتاج الصناعي، وتستغلّ تنزانيا وكينيا وأوغندا الثروة السمكية وتجعلها متاحة لتغطية احتياجات جيرانها. وكذلك، أن تقوم الدولة الوليدة، جنوب السودان، بدورها في استعادة المهدر من المياه، المقدّر بنحو 40 إلى 50 مليار متر مكعب، تتبخّر وتتسرّب في مستنقعاتها.

تشير الدراسات إلى إمكانية إنقاذ نصف هذه الكمية من خلال القنوات الأربع المقترحة، ومن بينها قناة جونقلي، إلّا أنّ المنطقة تشهد نزاعاً، وهو نزاع ليس سياسياً فقط، بل قائم أيضاً بين المهنيّين والمختصين. فالقانونيون يعتقدون أنّ مسألة المياه في نهاية الأمر محكومة بقوانين، ما يجعلها من ضمن اختصاصهم. ويراها الاقتصاديون قضية اقتصادية بحتة، ويسندهم في ذلك ما يجري في الوقت الراهن من اتجاه إلى اعتماد "الحسبة النقدية" كمعيار في سبيل الحصول على النصيب الأعلى من المياه وقت اقتسامها. أمّا المهندسون والمعماريّون والفنيّون، فهم يرونها قضيتهم، إذ إنّ السدود والخزانات مفصل حاسم في مسألة المياه.

النقاش يدور هنا وهناك، ومعضلة الزيادة السكانية وما يشهده السودان من تغيّرات ديموغرافية في تفاقم. فقد زاد عدد السكان من 12 مليون نسمة في عام 1956، إلى 40 مليوناً اليوم. ووصل عدد سكان الخرطوم وحدها إلى نحو 10 ملايين نسمة في عام 2006، بعدما كانوا 250 ألفاً في عام 1956. وهو مؤشّر إلى ارتفاع نسبة الهجرة من الريف إلى المدن عموماً، وهي سمة مشتركة على مستوى العالم لها أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

مثلت تلك الهجرة ضغطاً على مصادر المياه المحدودة في المناطق التي لم تكن تتوفّر لها البنية التحتية المؤهلة أصلاً لاستيعاب ذلك التحوّل الديموغرافي الطاغي. وازداد التدهور البيئي حدّة، ومن أبرز مظاهره تلوّث المياه الجوفية، والأمراض التي ارتبطت بالتلوّث وانتشرت حتى أصبح بعضها وباء.

يعوٍّل كثيرون على ضرورة إدارة حوار مثمر حول المسألة المائية إقليمياً، مع قدرة معرفية ومهنية عالية، قوامها المعلومات الدقيقة والاستخدام العلمي، وكذلك التراضي السياسي لتنظيم الحوار. فهل يحصل هذا؟

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون