تبدو تونس، مجدداً، عاصمة الجهود الإقليمية والدولية الرامية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة الليبية، مدخلها تمرير ولادة حكومة فائز السراج التي يدفع "المجتمع الدولي" في سبيل تذليل العقبات التي تمنع ولادتها منذ أشهر، وهو ما تصرّ عليه جميع الأدبيات الصادرة من الدول المعنية بالملف الليبي، كون "الحلّ السياسي" بحسب المصطلحات المعتمدة، هو الوحيد الذي من شأنه الإتيان بنتائج لتحركات عسكرية حالية ومستقبلية ضد تنظيم "داعش" في هذا البلد.
وظلّ مسار تشكيل حكومة الوفاق الليبية جامداً ويراوح مكانه منذ عرض السراج حكومته على برلمان طبرق. وفيما يرى المجتمع الدولي، وعدد من الفرقاء الليبيين أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الطاحنة التي تعيشها ليبيا، هي حكومة الوفاق المنتظرة، فشل برلمان طبرق في جلسات متتالية في الخروج بقرار نهائي حول هذه الحكومة، ولم يصادق عليها إلى حد اليوم، ولم يعلن رفضه لذلك في نفس الوقت. وضعية أصابت الملف الليبي بحالة من الشلل التام، خرقته بعض المحاولات لبحث حوار مواز وحكومة بديلة لا يمكن تحديد مدى واقعيتها دولياً، بينما الجميع ينتظر ما ستؤول إليه الأحداث لتتضح سيناريوهات ما بعد تشكيل الحكومة. إزاء حالة الجمود السياسي، شهدت ضاحية قمرت بالقرب من العاصمة تونس، أمس الخميس، اجتماعاً لأعضاء لجنة الحوار السياسي الليبي بحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، وممثلي بعض الأحزاب السياسية في ليبيا، بينما يصل السراج إلى تونس اليوم الجمعة، في تحركات تتفق مصادر متقاطعة على أنها تصب في الخانة نفسها: محاولة تذليل عقبات ولادة الحكومة العتيدة بأوسع موافقة ليبية ممكنة.
وجاء الاجتماع لبحث صيغة سياسية وقانونية لاعتماد الحكومة الليبية الجديدة، بعد توقيع 101 نائب من برلمان طبرق على الحكومة، وتعطيل اجتماعات المجلس بهدف تأخير المصادقة النهائية، وإلغاء الاجتماعات بشكل متتال، بما يطيل حالة الفراغ السياسي الذي تشهده ليبيا. اجتماع تونس، أمس، جاء ليسلط الضغط على برلمان طبرق، ويوجه إليه رسالة قوية، من أن هناك مخارج أخرى ممكنة للجنة الحوار السياسي يمكنها البحث عنها، عبر دعم سياسي واضح لقائمة الـ101، وربما اعتمادها، برغم أن رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، كرّر مراراً أن اعتماد حكومة الوفاق من خارج قبة البرلمان لن يكون قانونياً ولن يؤخذ به. وقال عضو المجلس الرئاسي الذي انبثق عن مسار الصخيرات ــ روما، عز الدين اقزيط، الذي حضر الاجتماع، لـ"العربي الجديد"، إنه تمت مناقشة تطورات العملية السياسية، وتأخر الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة، وبحث موقف دقيق وقانوني إيجابي، من قائمة الـ 101، مشيراً إلى وجود اختلاف في وجهات النظر داخل الاجتماع، وأنه يجري بحث موقف موحد من هذه المسألة، وربما تتوصل اللجنة المكلفة بصياغة البيان النهائي إلى صيغة تعبر عن نقاط التوافق حول هذا الموضوع.
اقرأ أيضاً: لجنة الحوار الليبي تبحث اعتماد حكومة الوفاق
في المقابل، سجلت اجتماعات أمس حضور عدد من نواب طبرق إلى تونس، حاولوا الدخول إلى الاجتماع، لكنهم مُنعوا من ذلك، بحسب تأكيد النائب عز الدين مهني، عضو مجلس النواب، الذي اعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن اعتماد حكومة السراج بهذا الشكل لن يمر، مهدداً بانقسام ليبيا وبالخروج إلى الشارع إذا تم ذلك.
وهاجم مهني بشدة فائز السراج معتبراً أنه "فاقد للقوة والحكمة التي تمكنه من إيجاد حلول عاجلة لليبيا"، منتقداً، في الوقت نفسه، غياب عدد من أعضاء المجلس الرئاسي عن جلسة تقديم الحكومة، معتبراً ذلك انقساماً في مواقف المجلس الرئاسي نفسه، ومشيراً إلى أن خمسة من وزراء الحكومة الجديدة عليهم اعتراضات قانونية وشبهات فساد. وأضاف مهني أن الحل الوحيد لليبيا في الوقت الراهن هو تقليص المجلس الرئاسي إلى رئيس وعضوين فقط، لتسريع آلية اتخاذ القرارات، لأنه "من غير العملي منح حق الفيتو لكل أعضاء المجلس الرئاسي، رغم الانقسامات الكبيرة الموجودة بينهم" على حد تعبيره.
لكن السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر ميليت، أكد بدوره أن أطراف الحوار السياسي اجتمعت في تونس العاصمة، لمناقشة الخطوات المقبلة المنصوص عليها في اتفاق الصخيرات. واعتبر ميليت، في تغريدة له عبر حسابه الشخصي بموقع "تويتر"، أن هذا الحوار الليبي الليبي هو الوحيد الذي سوف ينجح. كلام جاء رداً على الإعلان الصادر أول أمس الأربعاء، في طرابلس، عن فريقَي حوار المؤتمر الوطني (المنتهية ولايته) وبرلمان طبرق (المنحل بموجب قرار المحكمة العليا)، والذي كشف عن التوصل لاتفاق وطني مواز للعملية الأممية (مسار الصخيرات)، بالإضافة إلى توصل الطرفين لميثاق شرف وطني ليبي تحت اسم "الاتفاق الوطني الليبي". وطالب الطرفان، في البيان المشترك، الصادر من طرابلس، الأمم المتحدة بدعم هذا الاتفاق، وأكدا أنهما سيعرضان "الاتفاق الوطني الليبي" على المؤتمر الوطني ومجلس النواب (طبرق) للمصادقة عليه في غضون أسبوعين. وشددا على تبني وإرساء مبدأ التوافق في الأمور السياسية والسيادية بعيداً عن المصالح الشخصية الضيقة أو الحزبية أو الجهوية، أو أي أجندات خارجية إقليمية أو دولية، حسب نص البيان. وكان السراج قد التقى وزير الخارجية التونسية خميس الجهيناوي في جاكرتا، على هامش الدورة الاستثنائية الخامسة لمؤتمر القمة الإسلامي، وتباحثا الوضع الأمني وتأمين الحدود بين البلدين، خاصة في ظل تفاقم عمليات تنظيم "داعش". وقالت وكالة تونس أفريقيا للأنباء، إن الطرفين أكدا على أهمية اجتماع وزراء خارجية دول الجوار حول ليبيا الذي سيعقد في تونس يومي 21 و22 مارس/ آذار الحالي.
اقرأ أيضاً: طرابلس تستعيد زمام المبادرة: معادلة "الحلول المشتركة" لإنقاذ ليبيا