الحكومة الإسرائيلية تُسهّل قتل الفلسطينيين

28 نوفمبر 2014
القرار سيُنتج آلاف المسلحين الإسرائيليين (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -
تشكّل التسهيلات التي أعلن عنها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق أهرونوفيتش، لإعطاء ترخيص حمل السلاح للإسرائيليين، ترخيصاً رسميّاً بالقتل ودعوة صريحة من الحكومة الإسرائيلية إلى عدم التردد في "إطلاق النار بهدف القتل" ضد كل فلسطيني يشتبه به في محاولة القيام بعملية في إسرائيل، وأحياناً لمجرد تورطه في نقاش ساخن مع أي إسرائيلي، ولو كان النقاش على خلفية جنائية أو نزاع شخصي.

ووفقاً للتعليمات الجديدة التي نشرها أهرونوفيتش، فإن رخصة حمل السلاح وفق المعايير الجديدة، تعني إضافة عشرات آلاف المسلّحين من الإسرائيليين إلى شوارع إسرائيل، وبطبيعة الحال في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، لكنها تزيد على نحو خاص من عدد المسلّحين الجدد داخل الخط الأخضر.

إذ إن المعايير الجديدة تمنح كل ضابط إسرائيلي في الاحتياط حق الحصول على رخصة حمل السلاح، بعد أن كانت المعايير السابقة تمنح هذا الحق في الأساس للضباط من درجة "بريجيدير" فما فوق، كما تكتفي المعايير الجديدة بالخدمة لعامين فقط في الشرطة الإسرائيلية للحصول على ترخيص السلاح.

كما أن المعايير الجديدة تشكّل تراجعاً عن تعليمات سابقة وأوامر للداخلية الإسرائيلية، طُبّقت في عام 2012، علماً بأن القانون أقرها في عام 2008، وهي تُحظّر على العاملين في سلك الحراسة، سواء في المؤسسات التعليمية أم في المؤسسات والمرافق العامة من خلال شركات الحراسة المختلفة، حمل سلاحهم بعد ساعات العمل، وواجب إبقاء السلاح في مكان العمل.

ويُشكّل القرار الجديد مصدر قلق لدى جمعيات حقوقية في إسرائيل، من باب تهديد السلم المدني، والسلم الأسري في المجتمع الإسرائيلي نفسه، بسبب العنف الشديد المستشري داخل هذا المجتمع، والذي تجلّى بشكل أساسي في جرائم القتل، وتحديداً قتل النساء على خلفية خلافات أسرية استُخدم فيها "سلاح العمل"، وفقاً لما كشفته المحامية، ديبي بن حيو، من جمعية حقوق المواطن في جلسة خاصة للجنة الداخلية البرلمانية عُقدت أمس الأول.

وقالت بن حيو، إن العودة إلى السماح للعاملين في مجال الحراسة باصطحاب سلاحهم في طريق العودة إلى البيت، يُفاقم حالات العنف، ويزيد من منسوب الجريمة داخل المجتمع الإسرائيلي، ويفتح المجال أمام انتعاش تجارة السلاح.

لكن الخطورة الأكبر التي تكمن في التعليمات الجديدة، تتمثّل في الأساس في تصويب هذا السلاح نحو الفلسطينيين سواء من الضفة الغربية المحتلة على يد المستوطنين، أم تجاه الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، خصوصاً على ضوء تجارب الماضي غير البعيد، التي كانت تنتهي عادة بتسريح القاتل الإسرائيلي، وتبرئة ساحته أو على الأقل الحكم عليه بحكم مخفف سرعان ما يتم بعده إصدار عفو رئاسي عن القاتل ليعود طليقاً.

وفي هذا السياق، لا بد من العودة عمليّاً إلى عام 2005 عندما قام مستوطن في النقب، يُدعى شاي درومي، بقتل الشاب، خالد الأطرش، بحجة أنه حاول سرقة الماشية من مزرعته وهدد حياته. حينها تجنّد اليمين الإسرائيلي كله لتمرير قانون يُبرئ ساحة درومي من جريمة القتل بأثر رجعي.

وتم تشريع قانون خاص قدّمه وزير المواصلات الحالي، يسرائيل كاتس، وأيّده أهرونوفيتش حين كان نائباً في الكنيست، سُمي قانون درومي. ويُخلي القانون ساحة القاتل من أي مسؤولية جنائية أو جرم، بحجة أنه كان في حالة دفاع عن البيت والمزرعة. وقد طُبّق القانون، الذي شُرّع بعد جريمة القتل بستة أشهر تقريباً، بأثر رجعي، وتم إخلاء ساحة درومي وتبرئته من أي جرم جنائي.

وبعد ذلك بعام تقريباً، وفي 3 يوليو/تموز 2006، قتل الشرطي الإسرائيلي، شاحر مزراحي، الشاب، محمد أبو سنة، من باقة الغربية في الداخل الفلسطيني، مدّعيّاً أنه شكّل خطراً عليه، علماً بأن الشاب كان داخل السيارة. ومع أن المحكمة الإسرائيلية جرّمت مرزاحي بتهمة القتل على خلفية قومية وحكمت عليه بالسجن الفعلي لثلاث سنوات، إلا أن الرئيس الإسرائيلي حينها، شمعون بيرس، أصدر وبعد عام ونصف فقط من سجن مزراحي، عفواً رئاسيّاً عنه.

وتنظر الجهات الحقوقية في الداخل الفلسطيني بخطورة بالغة للتعليمات الجديدة، وخصوصاً أنه سبقتها دعوة صريحة من أهرونوفيتش لقتل كل من يحاول تنفيذ عملية، وكانت دعوته بمثابة تصريح لرجال الشرطة الإسرائيلية وكل من يحمل سلاحاً مرخصاً بالقتل، من دون الحاجة لإثبات حالة دفاع عن النفس.

ورأى مركز "عدالة" في بيان، أن ما حدث في كفر كنا في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي عندما قتل أفراد الشرطة الإسرائيلية الشهيد، خير حمدان، كان ترجمة فعلية لتصريحات أهرونوفيتش.

ومع أن شريط فيديو من كاميرا مراقبة في المكان أظهر كذب ادعاءات رجال الشرطة الإسرائيلية بأن حمدان هدّد حياتهم، إلا أن ذلك لم يمنع أهرونوفيتش ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من إعلان تأييدهما أفراد الشرطة وقتل خير حمدان بدم بارد.

وفي هذا السياق، اعتبر النائب عن "التجمع الوطني الديمقراطي" باسل غطاس، هذا التصريح، دعوة صريحة وضوءاً أخضر لعمليات إعدام ميدانية تقوم بها قوات الشرطة.

ودعا غطاس في خطاب وجّهه من على منصة الكنيست إلى فتح تحقيق أيضاً في عملية قتل واغتيال الشهيد، معتز حجازي، الذي تمت مطاردته بتهمة محاولة اغتيال اليميني المتطرف يهودا غليك. وبحسب ما رواه شهود عيان، وكذلك التناقضات التي وردت في ما نُشر، فإن معتز قد قُتل بدم بارد من المطاردين، من دون أن يشكّل خطراً عليهم، وكان من الممكن اعتقاله.

وطالب غطاس أيضاً بالتحقيق في عملية قتل الشهيد، إبراهيم العكاري، بعد أن سقط جريحاً ولم يكن يشكل خطراً، وكان من الممكن اعتقاله، محذراً من أن هاتين الحادثتين إضافة إلى عملية قتل المتهم بخطف الشباب اليهود الثلاثة، تُعتبر عمليات تصفية تتم بناء على توجيهات عليا كما تبين من تصريحات أهرونوفيتش الأخيرة.

وقال غطاس إن الاغتيال الأخير يضاف إلى قائمة الاغتيالات لناشطين فلسطينيين في حوادث سابقة، وهي ظاهرة خطيرة جداً يستوجب الوقوف عندها والتحقيق فيها، معتبراً هذه الاغتيالات محاولة بائسة للانتقام ولإرضاء اليمين المتطرف، "فلا يوجد أي مبرر لقتل مشتبه به من دون تحقيق أو محاكمة عادلة".

أما عن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، فإن التعليمات والمعايير الجديدة تمنح تلقائيّاً كل مستوطن حق حمل السلاح المرخص، ما يمهد الطريق أمام المستوطنين إلى العودة للمطالبة بتطبيق نصوص قانون درومي أيضاً في الأراضي المحتلة. وقد سبق أن دعت عضو الكنيست المستوطنة، أوريت ستروك، في أبريل/نيسان 2013 إلى تطبيق نصوص قانون درومي في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بحجة الدفاع عن المستوطنين وممتلكاتهم.

المساهمون