الحظ وحده لا يكفي. كيف يتم إعداد الكرات العرضية في ريال مدريد؟

18 مايو 2017
الريال قدم موسماً استثنائيّاً (Getty)
+ الخط -

 

وضع ريال مدريد يده على بطولة الليغا الإسبانية هذا الموسم بعد الفوز الكبير على سيلتا فيغو، ويرشحه الخبراء في إسبانيا لمواصلة العطاء أوروبيا، وتحقيق الشامبيونزليغ للعام الثاني على التوالي، بعد الوصول إلى المباراة النهائية على حساب بايرن وأتليتكو، والحفاظ على معدلات اللياقة في المرحلة الأهم بنهاية المسابقات، لذلك يستحق هذا الفريق -رفقة يوفنتوس- أن يكون حاضراً في اللقاء الكبير بكارديف مطلع الشهر المقبل.

يصف البعض طريقة انتصارات الريال بالحظ، ويذهب البعض الآخر للحديث عن الكرات العرضية، السلاح الفتاك لكتيبة زيدان أمام الجميع. وبعيدا عن الآراء السلبية والإيجابية، يجب الاعتراف بقوة الميرينغي في ألعاب الهواء، وتفوقه على كل منافسيه في هذا المجال، ليحسم عدة مباريات معقدة بنفس الطريقة، لكن هذا الأمر ليس بالسهل كما يعتقد أغلب المتابعين، لأن تجهيز كافة مراحل اللعب حتى الوصول إلى الكرة العرضية، كلها أمور مرتبطة بالشق التكتيكي ومدى مرونته بواسطة الجهاز الفني بالكامل.

أرقام قياسية
سجل الفريق الملكي 27 هدفاً في الليغا من كرات ثابتة، 6 ضربات جزاء، وكرتين من مسافة بعيدة، مع 9 لعبات عرضية و10 ضربات ركنية. رقم رهيب إذا تمت مقارنته مع بقية فرق البطولة الإسبانية، وظل الوضع كما هو في عصبة الأبطال، ليسجل لاعبوه 5 أهداف من كرات ثابتة، من بينها 3 ضربات ركنية.

وبالحديث عن التخصص الرقمي، سجل لاعبو الريال 27 كرة رأسية في بطولة الليغا، مع 8 أهداف بالرأس أيضا في الشامبيونزليغ، إنها إحصاءات تؤكد تفوق الفريق في المنطقة الواقعة بين ارتكاز الخصم ودفاعه، أي الـ 30 متراً التي تفصل بين المرمى وأسفل دائرة المنتصف، وبالتالي ينقل الوسط الكرة من قدم لقدم، حتى يُخلق الفراغ اللازم لاستلام الظهير في منطقة بعيدة عن الرقابة، بمعنى أوضح التركيز شبه الكلي على صناعة اللعب بالثلث قبل الأخير من الملعب، بوضع 9 لاعبين دفعة واحدة في هذه المنطقة، وترك قلبي الدفاع مع حارس المرمى في الخلف.

يقوم كاسيميرو بدور قاطع الكرات ويرتكب عدد لا بأس به من المخالفات المشروعة وغير المشروعة. يغطي البرازيلي يمينا عند تقدم كارفخال، ويعود لعمق الارتكاز من أجل الركض السريع في حالة فقدان الكرة من أحد لاعبي الوسط، مع قطعه المفاجىء تجاه منطقة الجزاء لفتح زوايا التمرير أمام حامل الكرة، لكن تبقى كل فوائد هذا اللاعب ثانوية مقارنة بما يقدمه الثنائي الفذ، لوكا مودريتش وتوني كروس، العقل المدبر لكافة انتصارات نادي العاصمة.

سطوة الوسط
يصف الناقد المختص بالكرة الإسبانية دافيد غارسيا هذا الثنائي بأنه المهندس الحقيقي للتفوق المدريدي، فمع كامل الاحترام للظهيرين كارفخال ومارسيلو يمينا ويسارا، يقوم نجما الوسط بالتحكم في الفراغات عن بعد، وضبط التمريرات حتى تصل إلى اللاعب المراد في التوقيت المناسب مع المسافة المناسبة، حتى يتم ضرب المنافسين من أسفل الأطراف كما جرت العادة في معظم المباريات السابقة.

يقول أريغو ساكي في حوار سابق، "كل لاعب داخل المستطيل الأخضر يجب أن يفكر في أربعة أمور، الكرة، المساحة، الخصم، والزميل. كل جزئية تحدد أين يجب أن يتحرك اللاعب في الحالة الدفاعية، وأين يمرر في الحالة الهجومية". وفي حالة الريال، يمرر كروس الكرات القطرية من العمق إلى الأطراف، مع نجاح مورديتش في كسر خطوط المنافس بالمراوغة أو لعب التمريرة الثنائية مع زميل آخر "تمريرة الـ 1-2". وحتى في الحالة الدفاعية، يتمركز اللاعبان على أطراف المنتصف، ليس في العمق ولكن في أماكن الريشة، من أجل قطع المرتدات قبل مرور خط المنتصف، والقيام بما يعرف تكتيكيا بالـ "كونتر برسينغ".

يخسر الريال نصف قوته عندما يغيب كروس أو مودريتش، صحيح أن كاسيميرو له دور دفاعي مهم، لكنه لا يقارن بأي حال من الأحوال مع زملائه، لأن زيدان يعتمد على خط وسطه الهجومي في صنع شيء قريب من "الكماشة" بتقارب الخطوط بينهم وبين لاعبي الهجوم، وخنق الفريق الآخر بقرابة الستة لاعبين في مساحة ضيقة، رفقة ثنائي الأظهرة على الخط الجانبي من الملعب.

قلب اللعب
مجموعة تمريرات في جانب من الملعب، "الجانب الأيمن"، واحدة اثنتان ثلاث، وفجأة لعبة عرضية إلى الجانب الآخر، وهنا طوفان أبيض نحو الكرة. فريق مثل سيلتا مركز على جانب واحد، بينما يقابل أربعة لاعبين في جانب آخر، يزيد هذا الرقم إلى خمسة وستة في بعض الأحيان، وقبل التركيز على قطع الكرة من حاملها، يتحول اللعب مباشرة إلى الاتجاه الآخر بتمريرة قطرية خاطفة، هذا الأسلوب في اللعب يُعرف بالـ Switching Play أو قلب الهجمة من طرف إلى طرف.

يحصل كارفخال على كرات عديدة يمينا، بفضل تمريرة كروس الذكية من اليسار إلى اليمين، عند تواجد إيسكو وبنزيما ومارسيلو رفقة الألماني في نفس الجانب، ليركز الفريق الخصم على غلق كافة الزوايا أمامهم، لكن بلعبة واحدة إلى الناحية الأخرى، يجد الظهير الإسباني نفسه أمام موقف 1 ضد 1، إما أن يراوغ ويدخل منطقة الجزاء، أو يقوم بلعب العرضية إلى المهاجمين أمام المرمى.

ويتفوق مارسيلو أيضا على اليسار بنفس الطريقة، عن طريق المراوغة السريعة والقطع إلى الداخل، بعد تقدم مورديتش يمينا واقتراب كاسيميرو منه، ومحاولة التأثير على المنافسين بإجبارهم على تغطية جانب واحد من الملعب، لتتحول الهجمة فجأة إلى الجانب الأعمى البعيد عن محطات الرقابة، هكذا يفعل الريال في كل مباراة من أجل اكتساب ميزة رفع الكرة العرضية دون مشاكل أو مزاحمة أو إرهاق، إنه الوصف الأنسب على الإطلاق لطريقة هجوم هذا الفريق العملاق، وفق ما شرحه المحلل السابق المهتم بشؤون الكرة الإسبانية عبر المدونة التكتيكية "مجرد لعبة".

ايسكو
يستفيد الريال كثيرا من استراتيجية "غابة السيقان" داخل منطقة الجزاء، بمعنى وجود أكبر عدد ممكن من اللاعبين بالصندوق أثناء لعب الكرات العرضية، فرونالدو يلعب مؤخرا كمهاجم صريح وليس جناحاً أو ساعداً هجوميّاً كالسابق، وبالتالي يدخل البرتغالي بجوار بنزيما ويصبح هناك ثنائي صريح أمام المرمى من أجل التعامل مع الكرات الرأسية، بالإضافة إلى جرأة مارسيلو في التوغل إلى المنطقة هو الآخر، كما حدث في هدف الفوز ضد فالنسيا، فالظهير البرازيلي ترك موقعه على الخط وذهب بنفسه إلى مناطق المهاجمين للتسديد والتسجيل.

ومع هذه الميزة الهجومية الفعالية، يأتي التوفيق هو الآخر ليلازم زيزو وفريقه، فإصابة غاريث بيل كانت أفضل طريقة ممكنة لتعديل مشاكل المجموعة أمام الفرق التي تدافع من الخلف، بسبب صعوبة إيصال الكرات إلى الـ BBC بواسطة مودريتش وكروس فقط، حيث تقل الفراغات وتندر التمريرات الكاسرة للخطوط، لذلك زادت الحاجة إلى لاعب إضافي، في وبين الخطوط، وقام الإسباني البارع إيسكو بهذا الدور، نتيجة تفوقه في عامل المراوغة وبراعته في الربط بين الوسط والمقدمة.

فقدَ رونالدو هو الآخر جزءاً كبيراً من بريقه، بات أقل سرعة وقوة ومهارة لكنه يسجل من مناطق حاسمة، وبالتالي وضع الفريق المدريدي كامل سطوته في الوسط وعلى الأطراف لخدمة نجمه الأول، بلعب أكبر عدد ممكن من التمريرات البينية والكرات العرضية تجاهه، لكي يقف بشكل ذكي ويهرب من الرقابة، ويسجل الأهداف التي وضعت الريال في أفضل حال خلال شهر الحسم.

المساهمون