الحضور المغربي والصور المختلة

09 فبراير 2016
"الحدود" مع مليلية المغربية المحتلة (تصوير: فرناندو مولينا)
+ الخط -

فرض احتكاك الإسبان بالمغاربة على مرّ العصور انشغال السرد الإسباني والثقافة الإسبانية بصورة المغرب وعادات شعبه منذ كتابات "ثيربانتس" وحتى الآن. فالمتأمل في السرد الروائي الإسباني عبر تاريخه الممتد، يجد أن حضور المغرب والمغاربة قد اتخذ عدة مظاهر أو تمثلات، يمكن إجمالها في أشكال ثلاثة: الأول، جعل من المغرب خلفية وفضاء للأحداث.

وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن أعمال دارت في فضاءات مدينة طنجة خلال فترتها الدولية، وكانت شخصياتها وأحداثها إسبانية صرفة، وأشهرها رواية "الحياة الكلبية لخوانيتا ناربوني" لأنخل باسكيث، أو أعمال اتخذت من مدينتي تطوان وطنجة، ومنطقة "الحماية الإسبانية" عموماً مكاناً لأحداثها، ومنها رواية "زمن بين مخيطات" لماريا دْوينْياس.

الشكل الثاني، تجسده أعمال قدّمت صورة فنية عن الحروب الإسبانية المغربية، ونذكر من بينها نصوصاً ركزت على حرب تطوان 1859-1860، منها: "يوميات شاهد على حرب أفريقيا" لبيدرو أنطونيو دي ألاركون، و"عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس. أو أعمال أخرى تناولت حرب الريف ونكبة أنوال، منها "إيمان" أو ليل إفريقي حسب الترجمة العربية/المصرية لرامون خوتا سيندر، ورواية "الطريق" وهو الجزء الثاني من ثلاثية "انصهار متمرد" لأرتورو باريا، ورواية "الحصن الخشبي" لخوسيه دياث فيرنانديث التي ترجمها محمد أنقار. ورواية "أسماء الذين ينتمون إلينا" للورينثو سيلفا التي - بحسب مؤلفها- تترجم حالياً إلى اللغة العربية.

أما الشكل الثالث، فتجسّده أعمال قدّمت صوراً متباينة عن تفاعل المغربي مع الإسباني، وتأتي على رأسها كتابات خوان غويتيسولو، ومنها "مقبرة" و"أسابيع الحديقة" و"الأربعينية" و"الكوندي دون خوليان"، وهي أعمال تُنعت بأنها أسست لكتابة متماهية مع العربي والمغربي حتى بلغ الأمر ببعض النقاد حد أنهم شرعوا في الحديث عن ظاهرة الـ "أرابوفيليا" أو "موروفيليا" في أعمال هذا الكاتب الإسباني ذي الرؤية النقدية الصارمة.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى نصوص كتّاب آخرين جعلوا المغرب والمغاربة حاضرين كموضوع ضمن أعمالهم السردية في صور مختلفة ومتنوعة، جسدوا من خلالها تفاعل الإسباني والمغربي، حتى وإن لم تكن تتعاطى مع صورة المغربي بنوع من "الموروفيليا" كما نجد عند خوان غويتيسولو، ونذكر هنا على سبيل المثال روايات: "ميمون" لرفائيل شيربيس، و"حراكة" لأنطونيو لوثانو، و"البستان" لسونيا غارثيا سوبرييث.

وإذ نتساءل الآن عن صورة المغرب والمغاربة في الرواية الإسبانية، وكيفية حضور شخصية المغربي عموماً، في الأشكال الثلاثة السابقة من النصوص الروائية الإسبانية، لا بد من طرح سؤال عن مدى تجاوز الرواية الإسبانية لميراث "ثيربانتس" من خلال نماذج الصور المختلة؟

مما لاشك فيه أن ثمة وعياً بضرورة الانزياح عن الميراث السلبي لثيربانتس، والتأسيس لرؤية أكثر توازنا عند كتّاب الرواية الإسبانية من الأجيال الجديدة والمعاصرة، لكننا لا نعدم نماذج تكرّس الصورة القديمة وتعيد إنتاجها بشكل أكثر تخلفاً وأشد عداء من خلال الصور الجاهزة، مثلما هو الحال على سبيل المثال بالنسبة للكاتب باسكيث فيغيروا في بعض أعماله الروائية.



اقرأ أيضاً: المغرب في المتن الإسباني: استعمار الفضاء الروائي

دلالات
المساهمون