الحصار يهدم معمِّري غزة

23 ابريل 2014
الحصار يقوض إعمار غزة (Getty)
+ الخط -

"يد تهدم وأخرى تمنع البناء"، هكذا يصفون حال الإعمار في غزة بعد النكبات والحروب المتتابعة التي لم تترك بناءً قائماً على حاله، وإن تركته فممتلئاً بشواهد الحرب من أثر الرصاص، وشروخ الهزات التي يحدثها القصف، وتكمل مهمته آلة الحصار الكامل التي تقطع أية يدٍ تمتد للإعمار.

تتعرض مهنة الهندسة المدنية والمعمارية في قطاع غزة لأضرار فادحة منذ 14 سنة نتيجة تراجع حركة التعمير والبناء في غزة عما كانت عليه قبل الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت عام 2000، الأمر الذي زاد من حجم الضرر الذي خلفه الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ قرابة ثمانية أعوام.

ويبقى متخرجو الهندسة المدنية والمعمارية أسرى الأمل بمستقبل أفضل، وقد كانوا يعتقدون أن تخصصهم هو مفتاح الوصول لوظيفة ثابتة تضمن لهم دخلاً منتظماً.

أوضاع سيئة

لم يعمل المهندس المعماري محمد أبو حصيرة (59 عاماً) ولو ليوم واحد منذ ثلاثة أعوام، وقد تصرف مجبراً ببقية مدخراته التي وفرها من العمل في مشاريع البناء لمدة 25 عاماً في المملكة العربية السعودية وسورية ومصر وقطاع غزة؛ من أجل إطعام عائلته، كما باع سيارته بعدما تيقن من انتهاء حياته العملية إلى الأبد في ظل الحصار.

أبو حصيرة قال لمراسلة "العربي الجديد": "آلاف المهندسين فقدوا مصدر رزقهم مع توقف دخول شحنات المواد الأساسية للبناء. وأنا منهم بالطبع".

ويعاني قطاع البناء في غزة شللاً تاماً، بسبب الإغلاق المتكرر لمعبر كرم أبو سالم التجاري من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ومنع إدخال مواد البناء الأساسية، مثل الاسمنت، والحديد الصلب، وباقي المواد الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

وبنبرة غضب أطلقها اليأس، يصف أبو حصيرة حال القطاع بعد توقف عجلة البناء فيه قائلاً: "كل مشاريع البناء للأهالي والحكومة وحتى المساجد متوقفة تماماً، لا مواد بناء تدخل وبالتالي لا عمل. الجميع يجلس في المنزل بانتظار تغير هذه الأوضاع".

وحمّل أبو حصيرة العالم أجمع مسؤولية فك الحصار عن سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو 1.8 مليون شخص،" الذين يدفعون ثمن صمودهم وعدم تنازلهم عن حقوقهم"، على حد وصفه.

ويشير أحمد البياري مهندس في الثلاثينيات من عمره ل"العربي الجديد"، إلى أنه فقد مصدر رزقه منذ توقف الشركات المصنعة للباطون (الخرسانة) في غزة عن العمل ومنع إدخال مواد البناء.

وأوضح البياري أنه كان يعمل في أحد المشاريع التابعة لوزارة الصحة مهندساً مدنياً، إلى أن أقعدته الأوضاع الاقتصادية السيئة للقطاع عن العمل قبل عامين.

 وأضاف "أعيش أنا وأطفالي السبعة على المعونات الغذائية المقدمة من الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين) وبعض الجمعيات الخيرية لمدة عامين، لكن الآن قطعت المعونات من "الاونروا" بعد تقليص خدماتها ومرورها في أزمة مالية."

أحلام تائهة

ويقول خالد النوري من مدينة غزة، حاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، إنه انضم إلى طابور طويل من البطالة بعدما فشل في العثور على عمل.

ويسرد النوري (28 عاماً)، الذي تخرج قبل ستة أعوام من جامعة الأزهر بغزة، معاناته في البحث عن وظيفة ثابتة، قائلا "لم أترك بابا حكومياً أو جامعات أو كليات أو مؤسسات خاصة إلا طرقته، ولكن بلا جدوى، إلى أن اضطررت لتقديم أوراقي وشهاداتي لبرامج البطالة".

وأشار النوري إلى أن والده يعمل مقاول بناء، الأمر الذي دفعه لدراسة تخصص الهندسة المعمارية من أجل مساندة والده في عمله، مستدركاً: "لكن جميع طموحاتي وأحلامي التي بنيتها في مخيلتي انهارت بعدما صدمت بواقع قطاع الإنشاءات في غزة، خاصة بعد منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال مواد البناء".

وكان قطاع غزة يعتمد على مواد البناء المورّدة إليه من مصر عبر أنفاق التهريب الممتدة بين مدينة رفح الفلسطينية ومحافظة شمال سيناء المصرية، لكن إغلاق الجيش المصري لها بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في يوليو تموز/ الماضي، تسبب بأزمة كبيرة في قطاع الإنشاءات.

وكانت إسرائيل قد سمحت بإدخال مواد البناء للقطاع في أعقاب إغلاق الأنفاق لفترة وجيزة، لكنها عادت ومنعت إدخالها في أكتوبر/ تشرين الأول، بدعوى استخدامها من قبل حركة حماس التي تدير القطاع في بناء تحصينات عسكرية.

ووجّه النوري رسالته إلى المسؤولين طالباً منهم الأخذ بيد متخرجي الهندسة الذين غلّقت في وجوههم كل السبل في محاولة البحث عن عمل.

ولم يختلف حال الشاب محمد الصيفي الحاصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية من إحدى الجامعات الجزائرية، عن سابقه، موضحاً أنه كان على أمل كبير بعد عودته من الجزائر أن يجد عملا ثابتاً في إحدى الجامعات بغزة.

ويقول الصيفي لـ"العربي الجديد"، "تقدمت لجميع الجامعات في غزة، وقدمت لبعضها مشاريع تطوعية لبرنامج الدبلوم والبكالوريوس في التخصص، ووعدوني بالتوظيف، إلا أنهم لم يتصلوا بي".

وتابع ساخراً "بعد تلاشي أي أمل بتحقيق طموحاتي تقدمت لبرنامج البطالة، إلا أنني رضيت بالبطالة والبطالة لم ترضَ بي".

ركب البطالة يكبر

وقال المهندس كنعان عبيد، نقيب المهندسين في قطاع غزة لـ"العربي الجديد" إن قطاع المهندسين من أكثر القطاعات تضرراً من منع دخول مواد البناء وقطع الغيار والصيانة، والمعدات الخاصة بعمل المهندسين، مشيراً إلى أن قطاع الهندسة بكل مجالاتها، يعاني من ركود غير مسبوق.

وأشار نقيب المهندسين إلى أن نسبة البطالة في صفوف المهندسين كانت تمثل 30%، لكنها الآن وصلت إلى ما نسبته 40-50%، مؤكداً في الوقت ذاته أن الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من العاطلين من العمل في صفوف المهندسين.

وبيّن عبيد أن الجامعات المحلية والخارجية تخرج سنوياً حوالى 600 مهندس في غزة، منوهاً إلى أن نقابة المهندسين تبذل جهوداً للتخفيف من حدة الأزمة عبر التواصل مع الدول الأخرى من أجل توفير فرص عمل للمهندسين خارج القطاع.

وتابع "طالبنا وزارة التخطيط ووزارة التربية والتعليم بضرورة تفعيل التنسيق بينهما ليكون عدد المتخرجين متناسباً مع سوق العمل من أجل تقليص أعداد المتخرجين".

ويخضع قطاع غزة لحصار فرضته إسرائيل منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 وشددته عقب سيطرة الحركة على قطاع غزة في صيف العام 2007.

وحتى نهاية عام 2013، تعطّل، وفق اتحاد العمال بغزة، 120 ألف مواطن يعيلون 615 ألف نسمة من بينهم ثلاثة آلاف كانوا يعملون داخل الأنفاق الواصلة بين مصر والقطاع.

وترتفع معدلات البطالة والفقر في قطاع غزة، وفق وزارة الاقتصاد التابعة للحكومة المقالة في غزة، إلى ما يزيد على 39%، وتقول الوزارة إن هذا المعدل ارتفع بشكل غير مسبوق لأسباب اقتصادية عديدة في مقدمتها ما خلّفه إغلاق الأنف.
دلالات
المساهمون