تسببت الحرب الدائرة في اليمن في تهاوي قيمة العملة المحلية (الريال) أمام العملات الأجنبية واستنزاف احتياطي البلاد من النقد الأجنبي وركود النظام المصرفي، نظراً لإقبال عملاء المصارف على سحب الودائع.
وبلغ سعر الصرف في السوق السوداء نحو 305 ريالات للدولار الواحد منذ أغسطس/آب الماضي، بزيادة 34% منذ بداية الحرب، ما ساهم في زيادة التضخم وتفاقم الفقر، بحسب وزارة التخطيط اليمنية.
وتسببت سيطرة جماعة الحوثيين المتمردة على العاصمة اليمنية صنعاء ومؤسسات الدولة منذ سبتمبر/أيلول 2014 في تعليق دعم المانحين وزيادة عجز ميزان المدفوعات، وتآكل الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي، مما أدى إلى تدهور قيمة العملة الوطنية.
وعملت جماعة الحوثيين على تأسيس كيانات اقتصادية موازية لتمويل حربها بعد تدميرها الاقتصاد الرسمي، بما في ذلك القطاع الخاص.
ويقول خبراء في الاقتصاد إن الحوثيين عملوا على تكوين إمبراطورية مالية وكيان اقتصادي موازٍ، بعد تدمير القطاع الخاص النظامي لصالح قطاع آخر طفيلي كوّن ثرواته بموارد الدولة وعائدات السوق السوداء.
ويسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وعدة مناطق في البلاد، منذ انقلابهم على السلطة الشرعية قبل أكثر من عامين، وانهارت أغلب المؤسسات الاقتصادية للدولة وسط الصراع الدائر في البلاد. وفي صنعاء تم افتتاح العشرات من شركات الصرافة المملوكة لأفراد موالين لجماعة الحوثيين، وأصبحوا يتحكمون في سوق صرف العملة، ما حولهم إلى أثرياء الحرب الجدد.
واعتبر الكاتب والمحلل الاقتصادي محمد راجح أن تشكل السوق السوداء للعملة يأتي في إطار نشوء كيان اقتصادي موازٍ أسسه الحوثيون، وأنتج سوقاً موازية في جميع المجالات.
وقال راجح، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هناك عوامل أخرى أسهمت في ظهور السوق السوداء للعملة منها الحرب وغياب دور الدولة وفقدان البنك المركزي السيطرة على القطاع المصرفي وسوق الصرف، كما أن تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي أضعف قدرة البنك المركزي على التدخل لحماية سعر الصرف".
وأوضح راجح أن "سعر صرف العملة في بلد مثل اليمن كان يخضع لقرار سياسي، وليس لعوامل السوق ومؤشرات الاقتصاد، وعندما غاب دور الدولة أصبح القرار بيد المضاربين".
ويقول خبراء مصرفيون إن السوق السوداء باتت تستحوذ على نحو 90% من إجمالي مبيعات العملات الأجنبية في اليمن.
وخلص تقرير لوزارة التخطيط اليمنية إلى أن الريال اليمني تعرّض لثلاث صدمات شديدة كانت السبب في فقدانه جزءاً كبيراً من قيمته.
وتتمثّل هذه الصدمات في الحرب، وسماح الحوثيين للقطاع الخاص باستيراد الوقود وتوقف المركزي اليمني عن تغطية فاتورة واردات الوقود بسعر الصرف الرسمي (214.9 ريالاً/دولاراً)، إضافة إلى تهاوي احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
وأدى استنزاف الحوثيين موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، إلى تهاوي احتياطي النقد الأجنبي إلى 987 مليون دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر/أيلول الماضي مقابل 4.7 مليارات دولار في ديسمبر/كانون الأول 2014.
وقرر البنك المركزي اليمني، يوم 21 مارس/آذار الماضي، تخفيض سعر العملة المحلية إلى 250 ريالاً للدولار للشراء و251 للبيع من 215 ريالاً. ومع ذلك، عجز المركزي اليمني عن السيطرة على أسواق الصرف، إذ اتسعت الفجوة أكثر بين السعر الرسمي للريال ونظيره في السوق الموازية.
واعتبر الأستاذ في المعهد الحكومي للعلوم الإدارية، طارق عبد الرشيد، إن "استنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية أدى إلى عجز البنك المركزي عن التحكم في سوق الصرف ومعه تضاءلت تدريجيا قدرات البنك المركزي اليمني في مد السوق باحتياجاته من العملات الأجنبية إلى أن توقف عن ذلك تماما".
وقال عبد الرشيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "البنك المركزي اليمني فقد التحكم في سعر صرف الريال اليمني، ما هيّأ الظروف لتشكل السوق السوداء للعملة".
ورجح أن يستمر تهاوي الريال اليمني في ظل "غياب الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وتردي أوضاع القطاع المصرفي اليمني إلى مستويات كارثية يصعب معها استيعاب القطاع لأي سياسة نقدية محتملة تستهدف المحافظة على سعر صرف الريال عند مستوياته الحالية".
وتابع: "مع نضوب احتياطي النقد الأجنبي؛ يستحيل أن تقوم السلطات اليمنية بتنفيذ سياسة نقدية؛ لا سيما في جانب خدمة الدين العام الخارجي، والذي يقدر بنحو ثمانية مليارات دولار، فضلاً عن سداد أقساطه".
وتوقع أن يؤثر تهاوي الريال على أسعار السلع، خصوصا الأساسية منها.
وتعرض الريال اليمني لهزات عنيفة منذ عام 1994 بسبب حروب ونزاعات.
ومنذ تحقيق الوحدة بين شطري البلاد عام 1990، تراجع الريال اليمني لأول مرة خلال الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1994، عقب إعلان قادة الشطر الجنوبي الانفصال عن الشطر الشمالي بعد 4 سنوات من الوحدة.
وتراجعت العملة اليمنية من 12 ريالاً للدولار الواحد عام 1990 الى 140 ريالاً للدولار في 1994. واستقرت عند هذا المستوى حتى بعد الحرب التي انتهت بدخول القوات الشمالية مدينة عدن الجنوبية والإعلان عن انتصار الفريق الداعي إلى الوحدة.
وفي 1995، هوى الريال اليمني 160 ريالاً للدولار الواحد، ثم إلى 180 ريالا للدولار في 2000، قبل أن ينخفض إلى 200 ريال بحلول 2005، و250 ريالا في يوليو/تموز 2010.
وعقب اندلاع الثورة اليمنية في 2011 لإسقاط نظام علي عبد الله صالح، وصل سعر العملة اليمنية إلى 247 ريالاً للدولار.
وشهد الريال فترة استقرارا نسبيا عقب تسلم الرئيس عبد ربه منصور هادي مقاليد الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2012، إذ استقر عند 215 ريالا للدولار.