وإذا غابت الأرقام الرسمية حول حجم الأموال المتداولة في سوق صرف العملات السوداء أو "دوفيز"، كما يلقّبها الجزائريون، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى حوالي 9 مليارات دولار يتم تداولها في هذه السوق سنويا.
وتعد ساحة بورسعيد أو "السكوار"، كما يحلو للجزائريين تسميتها، أكبر سوق موازية يتم فيها تداول العملات الأجنبية. وتعتبر هذه الساحة، الواقعة وسط العاصمة الجزائرية أمام مجلس الأمة الجزائري، بورصة موازية تُحدد فيها أسعار صرف مختلف العملات الأجنبية أمام الدينار.
وتشير الأرقام إلى أن ما يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار تتداول في الساحة سنويا، أي نحو 50% من حجم سوق صرف العملات الأجنبية الموازية على مستوى البلاد.
وفي سرد للمسار الذي سلكته سوق صرف العملات الموازية في الجزائر، يقول الخبير المصرفي إسماعيل بوكريطا، لـ"العربي الجديد"، إن "السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية لم تعرف إقبالا قبل منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لأن البنوك كانت تجري عمليات الصرف، والدينار الجزائري كان في أعلى مستوياته مقابل العملات الأجنبية".
إلا أن الأمر تغيّر بداية من 1990 حين بدأت المعطيات تتغير، سقوط للدينار، بالإضافة إلى انكماش الاقتصاد من جراء أزمة 1986 التي فاقمها "الإرهاب"، ما عزل البلاد اقتصادياً، وبالتالي كان الميلاد الرسمي لأسواق صرف العملات الموازية".
كما زاد تعديل قانون الصرف والنقد سنة 1997 من الإقبال على السوق السوداء للعملة، ثم تفاقمت مؤخراً في ظل تهاوي أسعار النفط وتراجع المؤشرات الاقتصادية.
وأمام هذه الوضعية، يوضح أستاذ الاقتصاد النقدي في جامعة قسنطينة، لوناس محمد، لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائريين لم يجدوا من بديل سوى شراء وبيع العملات الأجنبية في السوق الموازية التي كانت ولا تزال تمنح فارقاً كبيراً في سعر الصرف، سواء للسفر أو لشراء سيارات أو منازل في الخارج".
ويضيف نفس المتحدث أن "من مليارين إلى 3 مليارات دولار يضخها الجزائريون القاطنون في الخارج سنوياً بالسوق الموازية للعملة بدلاً من إرسالها عبر القنوات البنكية، بسبب الإجراءات المعقدة وارتفاع هامش ربح السوق الموازية".
وبالرغم من الخطاب الرسمي المندد بالسوق الموازية، إلا أن كثيراً من المتتبعين يرون أن جهات نافذة ومقربة من دائرة اتخاذ القرار في البلاد كرجال أعمال ووزراء وعسكريين سابقين يقفون وراء هذه السوق التي تكبد حزينة الحكومة 12 مليار دولار سنويا.
وصرح النائب في البرلمان الجزائري عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، سليمان سعداوي، لـ"العربي الجديد": "أكرر أن أسواق العملة السوداء هي دولة موازية تقارع الرسمية، ومن يسيّرها أناس أغنياء وذوو نفوذٍ يفضلون الاستثمار في سوق العملة الموازية بدلا من بناء المصانع، حتى الوزراء أصبحوا يقصدونها".
ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي محمد مقران صديقي، أن "مكاتب الصرف لن تغير الكثير، ولن تقضي على السوق السوداء للعملة".
ويضيف صديقي، لـ"العربي الجديد"، أنه "لو كان للدولة نية في القضاء على هذه الأسواق لاتخذت قرارات اقتصادية مباشرة لمحاربتها".
كانت الأزمة المالية التي تمر بها البلاد بعد انخفاض أسعار النفط قد دفعت البنك المركزي نحو كبح انتعاش هذه السوق، من خلال إعطائه، شهر أبريل/نيسان المنصرم، الضوء الأخضر لمنح تراخيص لفتح مكاتب صرف العملات الصعبة.
وأعطى القانون الجديد المُنظم لنشاط مكاتب الصرف، تعريفا لمكاتب الصرف على أنها "كيان أنشأه شخص طبيعي أو معنوي مقيم وفقا للقوانين المنصوص عنها في القانون التجاري، ومرخص به من طرف البنك المركزي".
وبالتالي، يكون نص القانون قد وسّع دائرة من يُخول له النشاط في صرف وبيع العملات الأجنبية في الجزائر، والذي ظل مقتصرا على بنك الجزائر، ووسطائه التجاريين فقط، من دون ذكر مكاتب الصرف المعتمدة.
المركزي الجزائري، وعكس كل التوقعات، أبقى على نسبة فائدة ضئيلة تساوي 1%، وهي نسبة لن تغري المستثمرين على دخول عالم صرف العملات الصعبة، حسب متابعين للشأن الاقتصادي.
إلا أنه وإلى اليوم لم يتلق البنك المركزي الجزائري أي طلب لفتح مكتب صرف، ما دفع وزير المالية، أحمد بابا عمي، إلى القول، نهاية أكتوبر المنصرم، إن "فتح مكاتب الصرف لن يكون في المدى القريب".