عاد الحراك الشعبي في الجزائر إلى وهج أيام الجمعة الأولى، إذ خرج الآلاف من المتظاهرين، اليوم، بشكل أكبر للمطالبة برحيل ما تبقّى من رموز نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وإرجاء الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل، رافعين شعارات "ماكانش (لا) انتخابات يا حكومة العصابات".
ونجح الناشطون في الجمعة الـ 13 من الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/ شباط الماضي في التعبئة التي قاموا بها أمس لدعوة الجزائريين إلى الخروج بأكبر عدد ممكن في كل المدن، لاستكمال ما تبقى من مطالب الحراك، خاصة ما يتعلق برحيل رموز النظام السابق، رئيس الدولة بالفترة الانتقالية، عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس البرلمان معاذ بوشارب. وغصت شوارع العاصمة بالآلاف من المتظاهرين الذين ملأوا بالكامل ساحة صوفيا وشارع ديدوش مراد وساحة أودان حتى ساحة البريد المركزي.
ورفع المتظاهرون شعارات مناوئة للثلاثي بدوي وبن صالح وبوشارب، وشعارات ضد إجراء الانتخابات. وقالت حميدة بلعلى، التي جاءت من منطقة برج الكيفان في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد": "أنصح الحكومة بعدم إجهاد نفسها في تنظيم الانتخابات، الشعب قرر أنه لن تكون هناك انتخابات في يوليو، ولن نقبل أن تجرى الانتخابات تحت رئاسة بدوي وبن صالح، هؤلاء مكانهم السجن لأنهم شركاء في كارثة التي انتهى إليها البلد، وفي تزوير الانتخابات السابقة".
وشارك في مظاهرات اليوم في العاصمة رؤساء المجالس البلدية من ولايات البويرة وبجاية وبومرداس شرقي الجزائر، للتعبير عن دعمهم للحراك الشعبي، وتأكيد رفضهم تنظيم الانتخابات الرئاسية. وردد رؤساء البلديات "أولاش الفوط"، باللغة الأمازيغية، وتعني "لا للانتخابات".
وظهرت في مظاهرات الجمعة الـ13 مخاوف الجزائريين من "العسكرة"، ومن تغول سلطة الجيش، وهو ما تجلى في الشعارات التي رفعت من قبيل "دولة مدنية وليس عسكرية"، و"جزائر حرة ديمقراطية". كذلك تباينت المواقف في مظاهرات الجمعة بشأن المحاكمات والملاحقات القضائية القائمة ضد رؤساء حكومات ووزراء وعدد من كبار رجال الأعمال المقربين من محيط بوتفليقة. ففيما عبرت بعض الشعارات عن دعم العدالة في مسعاها إلى ملاحقة الفاسدين واسترجاع المال العام، اعتبر آخرون أن هذه المحاكمات لا يجب أن تشغل الجزائريين عن "باقي العصابة المتبقية في الحكم"، و"بركات (كفى) من المسرحيات" و"الشعب يريد تتنحاو قاع (رحيل الجميع)".
وبعد ساعات من إغلاقها من قبل قوات الأمن ومنع التظاهر فيها، نجح المتظاهرون في تحرير واقتحام ساحة البريد المركزي. ودفع تدفق المتظاهرين الذين أصروا على التجمع في الساحة، السلطات إلى سحب قوات الأمن، التي كانت قد حاولت استعمال بخاخات الغاز لإبعاد المتظاهرين من الساحة واعتدت عليهم بالعصي، ما أدى إلى إصابة عدد من المتظاهرين. وزعمت السلطات أن قرار المنع بمبرر سلامة المتظاهرين، إذ أعلن بيان لسلطات ولاية الجزائر أن تشققات واهتراءات مست السلالم الموجودة في الساحة، ما جعلها مهددة بالانهيار، وحذرت المتظاهرين من الوصول إليها. وأكد بيان الولاية أنه "تبعاً لتسجيل بعض التشققات على سلالم مبنى البريد المركزي تم إجراء خبرة تكفلت بها الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبنايات التي أكدت، بعد التشخيص، وجود بعض الاهتراءات والتشققات التي مست السلالم بفعل الوزن الزائد وبالنظر لقدم هذا المبنى العتيق المُصنف كمعلم أثري". وأضاف البيان أنه "وحفاظا على سلامة المواطنين من خطر الانهيار الوشيك، سيتم اتخاذ إجراءات وقائية تقضي بمنع استعمال هذه السلالم والشروع في أشغال التهيئة والتصليح بمرافقة مهندسي الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبنايات".
وأبقت السلطات للجمعة الرابعة على التوالي النفق الجامعي الذي يربط بين ساحة أودان وساحة البريد المركزي عبر شارع ديدوش مراد مغلقاً ومن دون مبررات تذكر. ونشرت السلطات قوات أمن وشاحنات شرطة على مداخله، ومنعت المتظاهرين من المرور به، لكن جموع المتظاهرين المحتشدين في ساحة أودان انتقدت غلق النفق. وقال الناشط سفيان حجاج لـ"العربي الجديد" إن "السلطة تحاول إفشال الحراك عبر قرارات غبية، كغلق النفق الجامعي وغلق ساحة أودان، لكننا لن نفشل وسنخرج كل جمعة، في رمضان وفي العيد وفي الصيف وفي الشتاء حتى تحقيق المطالب الشعبية".
وكانت السلطات الجزائرية قد شددت مراقبة الطرقات والمداخل المؤدية إلى وسط العاصمة، ما أدى إلى عرقلة حركة المرور واستياء كبير من قبل المواطنين، وذكر مواطنون ومتظاهرون عبروا هذه الحواجز أن قوات الأمن قامت بتفتيش عشوائي للسيارات وعمدت إلى سحب الشعارات التي تجدها، خاصة تلك المناوئة للجيش.