تُعدّ العلاقة التي تجمع بين الحراك الشبابي المغربي، الذي عُرف باسم "حركة عشرين فبراير"، والجمعيات المدنية المغربية، حقوقية كانت، أو ثقافية أو توعوية، علاقة حيوية، وذلك منذ انطلاقته مطلع سنة 2011. إذ شارك عدد من الجمعيات في المسيرات والتجمعات، ووفرت بعضها إمكانياتها ومقراتها للحراك. كما واكب بعضها الآخر الحراك الشبابي بالنقاش والتفاعل والأنشطة المختلفة. وفي مقابل ذلك، فقد جلب الحراك لتلك الجمعيات منخرطين جدداً وشبكة علاقات أوسع. بل وتجاوز الأمر ذلك المستوى باتجاه تأسيس عدد كبير من الجمعيات، يقودها شباب من الحراك أنفسهم. "جيل العربي الجديد" يفتح نافذة السؤال عن تأثير الجمعيات التي أسسها شباب الحراك ومستقبلها، وما إذا كان بوسعها أن تفتح حراكات شبابية مؤثرة مستقبلاً.
بدأت القصة صبيحة يوم الأحد 20 فبراير/ شباط 2011، حيث خرج عشرات آلاف من المغاربة، معظمهم من فئة الشباب، مطالبين بالديمقراطية، كاملة غير منقوصة، واحترام حقوق الانسان، وفصل السلطات في البلد، في أكثر من سبعين مدينة وقرية موزعة على طول الخريطة. التظاهرات الصاخبة استمرت لما يقترب من السنة، وتوقفت تدريجياً بعد أن استطاعت انتزاع دستور جديد وحكومة جديدة معظم أفرادها منتخبون، وجزء من السلطات لصالح رئاسة الحكومة على حساب القصر، وتحرير جزء واسع من المعتقلين السياسيين والرأي.. وغيرها من الإصلاحات التي تبقى غير كافية بالنسبة لجزء معتبر من الشباب الذي صنع النسخة المغربية لـ"الربيع العربي". وقرر بعضهم استكمالها عبر جمعيات مدنية، تشتغل على مواضيع الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من القيم والمطالب التي خرجوا من أجلها أول الأمر.
يعود المدون المغربي، محمود عبابو، بذاكرته إلى تفاعل مجموعة من الجمعيات مع الحراك أول الأمر، مؤكداً على أن مجموعة كبيرة من الجمعيات جرى دعمها من الدولة ووزارة الداخلية لتمرير الدستور، معتبراً أن جزءاً واسعاً من المجتمع المدني يتم استغلاله من الدولة.. مميزاً بين الأول وجزء آخر تبنى الحراك وشارك فيه.
صاحب الوصلة المصورة المنتظمة على يوتوب، والمسماة "مشيتي بعيد"، قال لـ"جيل العربي الجديد": "رغم أن تأسيس الجمعيات حق يكفله النص القانوني، إلا أن آليات التأسيس ما زالت خاضعة لمزاج الداخلية والماكينات السلطوية القديمة. وهناك أمثلة كثيرة في هذا الباب ما زالت تنتظر الوصل القانوني رغم استيفائها لجميع الشروط. إذن، فنحن هنا أمام توجيه للعمل الجمعوي ووضع خطوط حمراء له، بتحديد المسموح وغير المسموح". وعلى الرغم من مشاركة محمود في مجموعة من الأنشطة التي تنظمها الجمعيات الموجودة، فقد أكد أن تأسيسه لجمعية يبقى صعباً، لأن السلطة لن تيسّر عمل مَن تعتبرهم مغضوباً عليهم.
"في العالم العربي وليس في المغرب تحديداً، يمكننا أن نتعرف على مجتمع مدني مختلف، مجتمع مدني يشتغل على برامج بعينها، عن الحكامة والحقوق الثقافية.. فيؤسس عند منتميه تصورات مفككة ومجزأة... فأصبحت معظم الجمعيات التي تتناسل، تعتمد على عرض الممولين والشركاء الذي أغلبهم دوليون ولا تملك قرارها ومشروعها بيدها، فأصبح السوق هو الذي يملك قرارها، وصارت المواضيع موجهة من الدولي نحو المجتمع، وليس العكس المفترض.. في السابق كانت الجمعيات تملك مشروعاً شاملاً، وتؤطر منتميها على أساسه، مشروعاً سياسياً ومجتمعياً متكاملاً". هذا رأي منتصر الساخي، جمعوي وأحد شباب الحراك.
وحول إمكانية أن تتحول هذه الجمعيات وتؤسس مشروعاً سياسياً موحداً، بعد أن تفرقت بشبابها السبل والمشاريع، صرح الساخي، وهو رئيس جمعية "مغرب آخر"، لـ"جيل العربي الجديد"، أن المغرب بحاجة اليوم إلى حزب سياسي كبير، مؤكداً أن مجموعة من الهيئات المدنية من شباب الحراك بدأت تفتح نقاشات في اتجاه مشروع جديد من هذا النوع، حزب يفهم الأعداء الجدد والمهمشين الجدد والطلب الجديد، ويشكل قوة سياسية جديدة..
ونبّه منتصر رفاقه للحذر من السوق، معتبراً السوق بدوره عدواً للمقاومة، وأن مقاومة السلطوية في بلده ما هي سوى جزء في اتجاه العدالة الاجتماعية وحماية المهمشين، بأذرع نقابية ومدنية جديدة.
مهدي بوشوى، نائب منسق معهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان، اعتبر جمعيته استمراراً لدينامية عشرين فبراير في شقها المدني، مثل مجموعة من المبادرات الأخرى التي أسسها شباب عشرين فبراير، وأكد على أن تأسيس المعهد جاء بناءً عن قناعة كونها مجموعة من الشباب الذين ساهموا في الحراك، حول ضرورة رفع شعار "دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع" و إعادته إلى الواجهة، حيث لاحظ ورفاقه، دائماً، أن هناك مشكلة على مستوى الولوج إلى ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصاً في أوساط الشباب، بمَن فيهم حتى أولئك الشباب الذين ساهموا في الحراك.
وتعليقاً على موضوع تمويل المشاريع، قال المهدي: "جمعيتنا لم تتلقّ أي تمويل لحد الآن منذ انطلاقنا في صيف 2013، ومعظم الأنشطة التي قمنا بتنظيمها كانت بشراكة مع جمعيات أخرى أو عن طريق طلب قاعات عمومية أو مقرات لمؤسسات وطنية.. لكننا من خلال الأرضية التي سطرناها، لا نرى أي مشكل في تلقي تمويلات من طرف هيئات أو مؤسسات أجنبية شريطة أن تكون مبادؤها منسجمة مع ثقافة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً، وأن لا تكون منخرطة في أي عمل له علاقة بالإرهاب أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية".
من اليقين أن حراك 20 فبراير ضخ في المجتمع المدني والهيئات الجمعوية المختلفة، طاقة بشرية جديدة تتحلى بتقنيات مميّزة، سواء عبر انتماء جزء من الشباب للتنظيمات التقليدية، أو أولئك الذي أسسوا جمعيات جديدة ما تزال تتلمّس طريقاً أوسع، أو أولئك الذي يدعمون هذه الهيئة أو تلك كلما برزت الحاجة.
ويبقى مؤكداً الاختلاف حول طرق العمل بين الشباب الذي شارك في الحراك المغربي. إذ منهم من انتظم في هيئات، راغباً في تطوير العمل المشترك.. ومنهم من لا يزال يحاول العمل بعيداً عن الهيئات، تمنعه من ذلك المحاذير المختلفة. لكن المراقب يقف على حقيقة أن هذه المنظمات الشبابية أصبحت تملك القدرة على التنسيق في ما بينها، للقيام بأنشطة كبيرة، بما فيها تحريك الشارع أحيانا، كما تحظى بمرئية مميزة في الإعلام، مستفيدة من تجربة الحراك وتشبيكاته.
(المغرب)